لقد بلغ السيل الزبى وتجاوز الأمر حده وسط مدينة طنجة يا أصحاب “الجيليات الصفراء”

بقلم عبد العزيز حيون
شدني قبل أيام مشهد بإحدى شوارع وسط مدينة طنجة ،لا أدري كيف أنعته أو أصفه ،لكنه مشهد بئيس يثير الغضب ويستدعي رد فعل رادع وبدون شفقة من قبل السلطات ،وأحسست شخصيا أني معني به كما هو معني به كل فرد المجتمع .
والمشهد الذي أغضبني هو مشهد “حارس سيارات” ،والذي يطلق على امثاله ب”باردين الكتف ” ،يتهزأ بسيدة متقدمة في السن ومحترمة ووقورة وينعتها ب”العوجاء” والفاشلة والجائعة والشحيحة ،و”مآلها جهنم مع الكفار” لكونها “تأكل عرق الناس بالباطل”،وما الى ذلك من قاموس السب والقذف والكلمات المنحطة ،وكأن هذه السيدة استغلت جزء من ملكية هذا الحارس البئيس واستنفعت من شيئ لا حق لها فيه.
وبدون استحياء ولامروءة ولا تقدير للمرأة المحترمة ،والتي وكأنها تحاول لملمة أوراق النطق التي تبعثرت لديها أمام الوحش الكاسر ،الذي هاجمها وتهجم عليها المسكينة كالنسر الجائع والصقر القاتل حين ينقض على الفريسة بلا رحمة وهو جائع ،وهي مذهولة ولم تجبه ولم تنبس بكلمة ولا فتحت فاهها ، وكأنها لا تعرف ما تقوله أو أنها لم تسمع أبدا كلمات من قواميس مثل هذا النوع من البشر ،الذي تعج بهم للأسف شوارعنا ،وانتشروا دون أن يلقوا من يحد من جبروتهم وقلة حيائهم ،وكأن السيدة تردد خفية ما قاله الشاعر أبو القاسم الشابي “أنا كئيب ،أنا غريب،كآبتي خالفت نظائرها ،غريبة في عالم الحزن”.
وحاول ” حارس السيارات ” قليل الحياء وصاحب الشخصية “البارانوية ” والمصاب بمتلازمة المظلومية ،وأمثاله كثر ، أن يستميل ،بكل خساسة وسماجة و سفول ، عطف الجمهور المتتبع للحدث ويلعب دور الضحية والمظلوم ،إلا أن الناس فطنت لمحاولته الدنيئة وأرغمته على الاعتذار للسيدة المنبهرة والمندهشة ،والانسحاب من المكان بهدوء وجبن ،بعد أن هدده أحدهم بطلب حضور الشرطة ..
الحارس البئيس ، الذي له لحية تمويهية مزيفة لكسب ثقة الناس ومنح نفسه الوقار الذي لا يستحقه ،انسحب من عين المكان وذهب وهو مكسور القلب ولا يلوي على أحد ،و يردد كلاما غير مفهوم بعد أن شعر بأن المكان لم يعد مكانه وزريبته الخاصة ،والناس تراقبه باشمئزاز وتقزز ونفور وبغض وكره وكل المصطلحات المعبرة عن القرف والنفور.
أنا شخصيا لست ضد من تتشقق يداه من كثرة العمل ويكافح ويتعب لكسب لقمة عيش شريفة ويقاوم قساوة الحياة بعرق جبينه ،لكن دون أن يمس حقوق الآخرين ،ويرتدي صدرية صفراء (جيلي أصفر) لابتزاز واستفزاز الناس وسلبهم عنوة ما يملكونه ،واستخلاص الإتاوات وفرض ” تسعيرات “دون وجه حق ، حتى أن الكثير من ملاك السيارات في المدن الكبرى يفضلون ترك سياراتهم مركونة بعيدا والمشي على الأقدام لكي لا يصطدموا مع “باردين الكتاف” ،الذين لن ينفع معهم إلا الزجر ووقف هذا الخرق القانوني وهذه الفوضى التي مل منها الجميع ،وكذا الحد من انتشارهم السريع الذي ينافس مؤشرات التنمية ويتجاوزها بكثير ،دون أن نتحدث عن سلوكات الكثير منهم الذين يعمدون على إلحاق الضرر بسيارات لم يؤد أصحابها في مرات سابقة التسعيرة المفروضة .
وأنا اعتبر أن أصحاب “الجيلي الأصفر” (اللون الذي أصبح يثير امتعاض الناس بمجرد ما يرونه من بعيد) ، كمن يبيع شيئا ليس في ملكه ،وهو المحرم دينيا والممنوع قانونيا .
وهذا السلوك باطل ،و قال بخصوصه النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يحل بيع وسلف، ولا شرطان في بيع، ولا بيع ما ليس عندك”.
كما أن لهذا السلوك النشاز الآثار المدنية ،إذ لا يحق أبدا التصرف في ملك ليس ملكك ،كما هو منصوص عليه بوضوح في التشريع المغربي (والشوارع والأزقة ملك عمومي ،أي في ملك ساكنة المدينة ).
وما هي عقوبة الترامي على ملك الغير ،والمقصود هنا الملك العمومي ، في القانون المغربي ؟
فقد أوضح المشرع أن هذه الظروف هي بمثابة قرائن على انتزاع حيازة عقار من الغير والتي من خلالها يتم تشديد العقوبة في حق المتهم، بحيث أوضح المشرع المغربي بمقتضى الفصل 570 من القانون الجنائي على أنه يعاقب: بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم من انتزع عقارا من حيازة غيره خلسة أو عبر استعمال التدليس.
وما هي عقوبة من يؤذي الناس؟
فكما جاء في بعض الشروحات المتاحة عبر الشبكة العنكبوتية ، فالذي يتلذذ بإيذاء الآخر لا يمكنه الاستفادة مما يصنعه من حسنات، لأنه يعد مفلسا ،فما يفعله هو من أكثر ما يأكل حسناته ويزيد من حجم سيئاته، الأمر الذي قد يوصله إلى وضع تصبح فيه أبواب الجنة موصدة أمامه لا يحل له الدخول لها؛ فيحرم منها بسبب ما فعله مع غيره، ولذلك فالذي لا يتورع عن أذية الخلق هو في خطر عظيم .
وقد يطول الحديث عن “باردين الكتاف ” ،لكن ما يهم المجتمع برمته هو محاربة هذا “الجيش العرمرم ” من الحراس المزيفين وإنقاذ المجتمع من غطرستهم وقلة حيائهم ،وإنهاء هذه الفوضى وإفساد المتسببين فيها للمشهد الحضري العام ،خاصة وأننا مقبلون على تظاهرات رياضية نوعية عالمية طال انتظارها .
طنجةبريسhttps://tangerpress.com/news-55404.html