انقطاع الماء عن نسبة عالية من أحياء طنجة لمدة تقارب 72 ساعة جراء وقوع تسرب قوي في قناة رئيسية
انقطاع الماء عن نسبة عالية من أحياء طنجة لمدة تقارب 72 ساعة جراء وقوع تسرب قوي في قناة رئيسية لتزويد المدينة
الناشط الإعلامي: ذ محمد أمنصور
شهدت الشبكة العمومية للماء بطنجة تراجعا نسبيا في قوة الضغط والصبيب على مستوى بعض المناطق المرتفعة كالطوابق العليا من العمارات ابتداء من يوم السب8 شتنبر 2013 ليتحول الأمر إلى انقطاع كلي للصبيب عن عدد من المناطق شرق المدينة ابتداء من صباح يوم الثلاثاء 10 شتنبر، مما دفع بإدارة شركة آمانديس إلى إصدار بلاغ في الموضوع لإشعار السكان بالحادث الطارئ الذي تعرضت له إحدى القنوات الرئيسية وتحسيسهم بطبيعة المشكل، ويتعلق الأمر بالعطب الذي تعرضت له أكبر قناة من القنوات المتوفرة لدى المكتب الوطني للماء والكهرباء التي تزود طنجة بالماء انطلاقا من سد 9 أبريل عبر محطة شرف العقاب، وذلك عند نقطة بمركز جماعة كزناية وسط مجمع سكني ضخم لا زال في طور البناء .. فهذه القناة التي يبلغ قطرها 1000 سنتيمتر ، قد تعرضت لتفكك داخلي أدى إلى تدفق المياه بقوة عند هذا النقطة تحت تأثير الأشغال الجارية داخل المجمع ، والتي لم تتخذ بشأنها الاحتياطات اللازمة لتلافي التأثير على القناة الموجودة منذ سنة 1994. فبفعل التحرك القوي للآليات والعربات الثقيلة فوق هذه القناة ، تعرضت لتفكك تدريجي وتحرك داخلي، أعقبه حدوث تسربات باطنية لم يلتفت إليها ، والتي كانت سببا في تآكل التربة ووقوع انزياحات تحت مجرى القناة أدت في النهاية إلى حدوث انفجار قوي وتدفق المياه التي تعذر التحكم فيها إلا من خلال عزل مقطع هذه القناة على طول 3 كيلومترات، وذلك لفسح المجال أمام إصلاح العطب وإنقاذ الموقف، خاصة وأن هذه القناة تتزود منها الجهة الشرقية للمدينة بنسبة 35 % من مجموع حاجيات مدينة طنجة من الماء ، والتي تتراوح بين 130 و 140 ألف م/3 في اليوم في الظروف العادية، وترتفع إلى مستوى 190 ألف متر مكعب في اليوم خلال موسم الصيف، حيث تتزود الجهة الشرقية للمدينة من تلك القناة إلى جانب قناة ثانية قطرها 800 سنتميتر عبر خزان بئر الشفا ، ثم خزانات الشرف ، والسانية .. وهو ما يفسر انقطاع الماء عن أكثر الأحياء كثافة، كبني مكادة والمرس ، وبئر الشفا ، وحي بنكيرات ، والشرف ، وطنجة البالية ، ثم السانية..، والنوينوش ، ومغوغة ، والعوامة ، والمنار ..وكانت أكثر الجهات تضررا لمدة تزيد عن 72 ساعة هي المناطق المرتفعة ، حيث تقلص مستوى الصبيب، وعرف انقطاعا كليا ، بل امتد الأمر إلى الجهة الغربية من المدينة التي تتزود بواسطة ثلاث قنوات أخرى بقطر (800-600-500 سنتيمتر ) عبر خزانات تتواجد بمناطق البرانص وموسطارخوش ، والجبل الكبير، وخصوصا بالنسبة للطوابق العليا في بعض العمارات ، التي شهدت بدورها تقطعا في الصبيب ..
وما أن علمت إدارة المكتب الوطني للماء والكهرباء بوقوع الحادث، حتى بادرت إلى التدخل ابتداء من يوم الجمعة 7/9 من أجل إصلاح العطب، وقد تطلب العمل أزيد من 72 ساعة من أجل اتخاذ التدابير اللازمة لمعالجة المشكل ومباشرة الأشغال بسبب قوة تدفق المياه وصعوبة التخلص منها ، وبالموازاة عمل المكتب الوطني على إنجاز معاينة قضائية بهدف إثبات الحالة وتحديد المسؤولية، والعمل على تهيئة الملف لسلك مسطرة التقاضي ضد الجهة التي تسببت في وقوع الحادث وألحقت الضرر بمعدات وتجهيزات المكتب الوطني وبالمخزون المائي الذي تعرض للضياع بشكل مفرط .. كما تتهيأ أيضا لإنجاز خبرة بهدف تقييم الخسائر والأضرار وإحالة الملف على القضاء ..
هذا وقد سبق لإدارة المكتب الوطني تنبيه المقاولة المكلفة بالأشغال داخل المجمع وكذلك صاحب المشروع إلى التهديدات المحيطة بالقناة ، وكذلك التأثيرات السلبية للأشغال الجارية هناك، إلا أن المسؤولين عن أوراش البناء لم يعيروا أي اهتمام لهذه الملاحظات، كما أن المكتب قد سبق له توجيه رسائل في الموضوع إلى الولاية من أجل تنبيهها إلى الأخطار التي تهدد هذه القناة ، وقناة أخرى تسير في اتجاه آخر يبلغ قطرها ( 800 سنتيمتر)، و إلى عدم توفر الحزام الآمن لحمايتهما بسبب عدم قيام الجهات المعنية بوضع حدود آمنة لمرور هذه القناة وتطبيق قرار نزع الملكية الذي يسمح بالتملك القانوني لأجزاء العقار المخصص لحرم القناة ..وهو ما ترك الباب مفتوحا للتطاول عليها والاعتداء على مثيلاتها ، حيث أصبحت في تماس مباشر مع عدد من المباني المحدثة أخيرا ، مما جعل تلك القنوات تتعرض باستمرار لتسربات داخلية يكون لها امتداد على مستوى السطح بعد تدفق المياه على الطرقات، والأخطر بالنسبة لهذه القناة هو تواجدها بجوار قنوات الصرف الصحي التي تم إنجازها بكيفية عشوائية أو غير مراقبة. فقد كشفت عملية الحفر التي تخص هذه القناة وجود بالوعتين للصرف الصحي في تماس مع القناة عند موقع العطب ، لأن القائمين على المشروع قاموا بتمرير قناة الصرف الصحي تحت مجرى القناة المائية ، مما دعا مسؤولي المكتب الوطني إلى الاعتراض على ذلك ، والقيام بإغلاقهما، لأن وجود البالوعتين يخالف كليا الشروط والمعايير القانونية، ولما يشكلانه من خطر على سلامة المياه وعلى صحة المواطنين..كما سجل أن العمارات المتواجدة في ذلك المحيط بنيت على مقربة من القناة ،علما أن محرم هذه هذا المرفق لا يجب أن يقل عرضه عن 10 أمتار. وهو ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول دور ومسؤولية جماعة اكزناية والسلطات المحلية وكل المصالح المكلفة بمراقبة البناء وإنجاز الأشغال الخاصة بالبنيات التحتية.. أفلم يكن لهذه الجهات علم بما وقع من وتجاوزات وخروقات سافرة ؟
فأمام هذا الوضع علم الرأي العام بواسطة بلاغ شركة آمانديس بإمكانية التغلب على المشكل في الساعة السادسة مساء يوم الأربعاء 11 شتنبر 2013 وانتهائه كلية في منتصف الليل ، كما علم المكتب المركزي لرابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين خلال تتبعه لتداعيات المشكل ولأطوارعملية التدخل، أنه تم الانتهاء من إصلاح العطب الأول في الساعة الثانية بعد زوال يوم الأربعاء، ثم الشروع في تعقيم القناة وتجريبها قبل إعطاء الانطلاقة لملئها وتغذية الخزان الرئيسي ببئر الشفا. لكن سرعان ما انقلب الوضع وانكشف مشكل جاني آخر عاد بالعملية إلى نقطة الصفر بعد ظهور أثر تسرب آخر لا يبعد عن السابق إلا ببضعة أمتار، فتم وقف عملية الضخ ، وبدأت عملية الحفر من جديد من أجل الكشف عن موضع التسرب . واستمرت الأشغال خلال الليل وصباح يوم الخميس 12/9 في سباق مع الزمن من أجل معالجة المشكل ، خصوصا وأن الأصداء القادمة من المدينة كانت غير سارة، حيث ظل المواطنون يتحركون في كل الاتجاهات بحثا عن قطرة ماء وهم يحملون أوعيتهم الخفيفة لإنقاذ الموقف، وظهرت بوادر الاحتجاج في عدد من المناطق والأحياء ، وخصوصا لما تأخر وصول الماء في التوقيت المعلن عنه في بلاغ أمانديس ، فبدأ الكثير من السكان يقطعون المسافات البعيدة للبحث عن الماء، واستعملوا كل الوسائل الممكنة للوصول إليه، فمنهم من التحق بالجهة الغربية من المدينة للتزود بماء السقايات الموجودة داخل الأحياء، وحنفيات المناطق الخضراء ، أوالاستنجاد بالأقارب ، ومنهم من لجأ إلى البحث عن مياه العيون والآبار غير المراقبة، بل حتى المياه المعدنية قد نفذت من السوق على صعيد المناطق المتضررة ..ونظرا للنقص في المعلومة توصل مكتب الاتصالات التابع لشركة آمانديس بآلاف الشكايات في اليوم الواحد، حتى قام في النهاية بإغلاق الباب في وجه المكالمات، للتهرب من الاستفسارات التي لم تنقطع . ولقد حرص ممثلو الرابطة على تكثيف الاتصال بالمسؤولين من أجل استطلاع الوضع ومعرفة التطورات ساعة بساعة، كما أجروا اتصالا بالسلطات ومجلس المدينة من أجل حثهم على إسعاف الساكنة بواسطة الخزانات المتنقلة ، والاستعانة بأقاليم الجهة من أجل تقديم الدعم الممكن بواسطة الخزنات المتوفر لديها ، لكن السلطات تخوفت من اللجوء إلى هذه الوسيلة تجنبا للإصابة بالأمراض بسبب عدم توفر ضمانات عن سلامة الخزانات من الأخطار الصحية .. كما قام ممثلو الرابطة بزيارة مكان الحادث مرتين خلال الليل للوقوف على سير الأشغال، و صادف وجودهم ليلة الأربعاء 11 /9 حضور كل من الكاتب العام للولاية ، وباشا جماعة اكزناية ، والمدير الجهوي للمكتب الوطني للماء ، وعدد من الأطر التابعة له ولشركة أمانديس . وقد استمرت الأشغال إلى الصبح وكان الرهان هو الانتهاء من الإصلاح في حدود الثالثة بعد زوال يوم الخميس 12/9 ، والشروع في تجريب القناة ثم ضخ المياه التي يمكن أن تصل إلى السكان بشكل تدريجي ابتداء من الساعة السادسة مساء من هذا اليوم . ومن جانب آخر، شهد اليوم تنظيم وقفة احتجاجية لعشرات من السكان أمام وكالة أمانديس ببئر الشفا، ووكالة المجد، ظلوا خلالها يرفعون الشعارات ضد الشركة، ويطالبون بالتدخل من أجل إنقاذهم من العطش، في الوقت الذي حاول المستخدمون توعيتهم بطبيعة المشكل، وحدثهم على الصبر في انتظار التغلب على الصعوبات قريبا ..وهو ما دعا إدارة الشركة إلى تحريك أطرها للقيام بجولة على الوكالات من أجل تقديم التوضيحات والرد على استفسارات المواطنين .، كما قررت إصدار بلاغ لاحق لتعريف السكان بالمستجدات، مع العمل على تعميمه على وسائل الإعلام بعد أن تبين أن البلاغ الأول لم يحقق هدفه في الإخبار بما فيه الكفاية ..
وفي انتظار التغلب على هذا المشكل المؤرق ، سيظل المطلب الأساسي لساكنة طنجة، هو ألا يتكرر مثل هذا الحادث الذي ما من شك أنه يشكل إزعاجا كبيرا للساكنة وللمسؤولين على حد سواء، الأمر الذي يثير عددا من التساؤلات بخصوص مستقبل المدينة، والمشاكل المائية التي يمكن أن تطرح مستقبلا في غياب التدابير الاحتياطية اللازمة، والخطط الاستعجالية الناجعة ، لأن الفرضية تقول : إنه في حالة إطالة المشكل وزيادته على اللزوم أو لبضع ساعات مثلا ، فماذا سيكون الحل بالنسبة للساكنة التي تنتظر قدوم الماء، فهل هناك وسائل للإنقاذ والتخفيف عن المتضررين ، هل يتوفر المجلس الجماعي وسلطات الولاية على الخزانات المتنقلة الكافية والمؤهلة لتوزيع الماء على السكان مثلا ؟ فهذه كلها أسئلة مشروعة من أجل استحضار كل السينريوهات مستقبلا في حالة تكرار مثل هذا الحادث ..
وفي سياق البحث عن جواب لهذه التساؤلات، علمان أن إدارة المكتب الوطني وفي إطار تصورها المستقبلي لحاجيات طنجة في أفق 2030 تتهيأ لإنجاز مشروع تقوية الإنتاج من أجل تأمين تزويد مدينة طنجة ، ويهم تثنية الطاقة الإنتاجية لمحطة المعالجة ( الحاشف) من 1400 إلى 2800 لتر في الثانية ، /ومن 5 آلاف م/3 في الساعة إلى 10 آلاف م/3 ، ومد قنوات الجر على طول 36 كيلومترا بقطر 1.6 متر انطلاقا من محطة المعالجة الحاشف ، وصولا إلى خزان بئر الشفا عبر المركب المائي شرف العقاب ، ومحطة المعالجة واد المهرهر .. ولقد دخل المشروع في طور الإنجاز ، حيث أعطيت الانطلاقة في سنة 2012 ، وسيشرع في تشغيل القناة في نهاية 2014 ، وتقدر التكلفة المالية للمشروع ب 800 مليون درهم .
وبالنظر لخطورة هذا الحادث، واحتمال تكرره في هذا المكان وغيره بسبب التهديدات الموجودة ، وعوامل التقصير التي تحول دون حماية القنوات الرئيسية وتوفير الضمانة لسلامتها ظاهرا وباطنا، وكذلك الضرر الجسيم الذي لحق الساكنة طيلة هذه المدة في عز موسم الإقبال على الماء وتزايد الطلب على هذه المادة الحيوية والأساسية للحياة ، وكذلك الخسائر الفادحة التي تكبدها كل من المكتب الوطني للماء وشركة آمندبيس، ثم المال العام . ندعوا الجهات المسؤولة بوزارة الداخلية ووزارة العدل لفتح تحقيق في الموضوع ، ومتابعة الجهة المقصرة والأطراف المتواطئة التي هيأت الظروف المساعدة على وقوع هذه الكارثة التي ما من شك أنها ستتكرر وتعاود الرجوع، فلا بد من التحقيق في الرخص الخاصة بمشاريع البناء بالمنطقة، والكيفية التي أنجزت بها الأشغال للتأكد من مدى سلامتها ومطابقتها للتصاميم المعمارية، وتصميم التهيئة وكل المقتضيات القانونية فيما يخص احترام جانب المرافق العامة كالطرقات، وشبكة الصرف الصحي، ومستوى العلو ، وحجم الطرقات. فكل فعل من هذا النوع الذي يرقى إلى مستوى الجريمة لا يجب أن يمر مر الكرام ، وأن يظل مجرد سحابة صيف، دون أن يطال الجهة التي تقف خلفه العقاب والمتابعة القانونية لمنع تكراره مستقبلا ، ولضمان أمن واستقرار المجتمع وسلامته من الأخطار وكل العوامل المثيرة للفتن .