الافتخار بالغش في الامتحان يسائل المجتمع عن إنهيار القيم وتدحرج الأخلاق

بقلم عبد العزيز حيون

ككل سنة،تتسابق وسائل إعلام بعينها لنقل ارتسامات التلاميذ حول كيفية اجتياز الامتحانات ،وهل سادت حالة الغش في الأقسام ؟،وكأن أهم شيئ في الاختبار هو مدى الغش الذي “أثث” الامتحان ،وإن كانت “ساحة الغش” (الأقسام) “ملائمة” و”متناسبة” ؟.
وبالنسبة لي ،أسئلة بعض وسائل الاعلام غير بريئة ،إما أنها تحاول فضح بعض الظواهر المسكوت عنه في المجتمع ، أو أنها تمجد سلوكا سلبيا ومذموما يجب أن يساهم الجميع في محاربته ،وخاصة وسائل الاتصال والتواصل بذاتها ،أو أنها تنتقد المنظومة التعليمية برمتها مع تكرار حالات الغش منذ سنوات دون أن تجد الحل المجدي .
وفي المقابل ، يتسابق التلاميذ الذين يجتازون الامتحانات للتعبير افتخارهم بالطريقة التي تمكنوا بها من الغش والإعراب عن رضاهم عن سلاسة الحراسة ولينها ،أو في حالات أخرى التعبير عن السخط من شدة الحراسة خلال الامتحان ،وكأنها سلبت منهم حقا مشروعا ومكتسبا أصبح من “بروتوكول” اجراءات الامتحان المعتادة .
وهذه الخطابات السلبية والمثيرة تتكرس عند كل امتحان إشهادي في كل مدن المغرب للأسف ،ونحن نسمع تلاميذ وتلميذات يتحدثون بجرأة كبيرة وجسارة غير معهودة عن تمكنهم من الغش أو خلاف ذلك عن عدم تمكنهم من “النقيل” وهم يعربون عن أسفهم من قرار تشديد الحراسة داخل أقسام الامتحانات ،وكأن الكلام عادي ومألوف ومتداول وشائع ولا حرج في التعبير عنه أمام الملأ.
و ظاهرة الغش شهدت تطورا سريعا ،وكذلك الوسائل والتقنيات المصاحبة لها ،حتى أصبح التلميذ أو التلميذة يقضون غالبية الوقت المتاح لديهم ،ليس في الدراسة والتحصيل ،وإنما في البحث عن وسائل الغش أو عن الأشخاص الذين يوفرون هذا النوع من الوسائل ،بالرغم من الجهد الذي تقوم به السلطات الأمنية لمحاصرة التجار المشبوهين وتقويض أفعالهم المشينة .
لكن ،من المسؤول عن هذا الانحطاط الذي بلغناه ؟وما هي الإجراءات المساعدة على مواجهة الظاهرة ،وما تلحقه من أدى لكل المجتمع ولمستقبل البلاد وللأجيال الصاعدة ،التي قد لا تعي خطورة هذا الفعل المشين؟.
في اعتقادي تلاشي هذه الظاهرة مرتبط بإجراء إصلاح تربوي جذري وجوهري ، ولما لا مراجعة أولا منظومة التوجيه حتى يكون بإمكان التلاميذ المعنيين من متابعة شعب وتخصصات تلائم قدراتهم المعرفية ،وثانيا مراجعة منظومة الامتحانات لأنها أصبحت متجاوزة في وقت تعتمد غالبية دول العالم على مقاربات علمية وتقنية دقيقة لكنها شفافة لإجراء الامتحانات وتحصين أنظمة المراقبة من كل اختراق .
ومرد هذا الاقتراح ،القابل للتقييم والنقاش ، هو أن ظاهرة الغش في الامتحانات الإشهادية وغيرها بشكل عام ربما تُعزى لأسباب عميقة تستوجب المعالجة في إطار إصلاح تعليمي شامل يضمن للتلاميذ ،أولا وقبل كل شيئ ، اكتساب المعارف التعليمية وضمان أسباب النجاح دون الحاجة إلى استعمال وسائل محظورة وغير قانونية لاجتياز الاختبارات مهما كان مستواها،ولعل أكثر النماذج نجاعة أنظمة الدول الاسكندنافية ذات الصلة.
كما يستلزم الأمر إعادة النظر في كيفية حفظ أسئلة الامتحانات ،مع العلم أن تسريب وثائق الامتحان يتم بعد دقائق من انطلاقه، ما يعني أن هذه الطريقة المسخرة من قبل المشرفين على الامتحانات أضحت غير ناجعة ومتجاوزة ولا جدوى منها .
وقد يعاني التلاميذ والتلميذات من ضغوطات نفسية وهوس الحصول على أعلى المعدلات بأي شكل من الأشكال لولوج مؤسسات جامعية وكليات مرموقة محدودة الاستقطاب أومعاهد متخصصة تؤمن الشغل ،لكن هذا لا يبرر الغش في الامتحان ولن يفيد في كسب المعلومات المتحصل عليها والتي تفيد في اجتياز الامتحانات ،ما يفرض على الجهات المسؤولة عدم الاعتماد على المعدلات العليا بل على المعرفة والمعلومات التي يتوفر عليها التلاميذ والتلميذات ،بشكل أو بآخر.
والكل مقتنع وعلى علم بأن الغش يتسبب في خلخلة مبدأ تكافؤ الفرص وتساوي الحظوظ ،وكذا تقويض الثقة في المنظومة التعليمية برمتها ويقوض كذلك الثقة في المؤسسات التعليمية ،وإضعاف مستوى التعليم والمعرفة والمهارات في المجتمع وانمحاء الوازع الأخلاقي والالتزام بالقواعد التربوية والتعليمية السليمة .
شخصيا لا ألوم الأطر التربوية التي تتحاشى الدخول في مواجهة مباشرة مع الغشاشين في الامتحانات و تشديد المراقبة على إنجاز الاختبارات الكتابية مخافة إلحاق الضرر بهم وتعرضهم للاعتداء والتنكيل والإذلال في الشارع أو داخل القسم،ومثل هذه الأمثلة كثيرة جدا ولا داعي لسردها .
وبالتالي ، هل علينا مراجعة منظومة التأديب أم علينا اتباع مقاربات تربوية معنية ؟ ،أو تبني اجراءات حازمة احترازية ؟، أو تنظيم حملات توعوية ؟،أم الضرب بيد من حديد ودون رحمة الشبكات والأشخاص الذين يبيعون المعدات التقنية “المتطورة جدا” المساعدة في القيام ب”عملية الغش” ؟ ،أم علينا إنشاء هيئة مستقلة لمحاربة الغش كما فعلت اليابان في وقت سابق ؟ ،أم فرض إجراء الامتحانات بالملابس الشفافة والملابس الداخلية كما فعلت الهند؟ .
وهناك من الدول من تبنت قرارات زجرية معاقبة للمترشحين المتورطين في عمليات الغش بحرمانهم من اجتياز امتحان البكالوريا من سنة إلى خمس سنوات، ومقاضاة كل مترشح يتم ضبطه في وضع متلبس بصدد ممارسة الغش.
ولعل تجربة الإمارات العربية المتحدة ،التي يعد نظامها التعليمي من بين الأحسن والأرقى على الصعيد العالمي ، تبقى رائدة في محاربة الغش ،عبر تبنيها نظام إدارة معلومات الطلبة والتلاميذ تنقل عبره الإدارة المركزية للتعليم الامتحانات الى الثانويات عبر نظام تقني محكم ومؤمن ،مع مراهنتها على اجراء الامتحانات إلكترونيا موازاة مع تعزيز أنظمة الحماية الرقمية .
وهناك تجارب عربية وإن كانت مثيرة سعت الى محاربة الغش ومواجهة تسريب الامتحانات بقرارها القاضي بقطع الانترنيت تزامنا مع مواعيد الامتحانات الإشهادية ،وهو ما رأى فيه البعض عقابا للمجتمع بأكمله ،فيما هناك دول شرق أوسطية اضطرت أن تفرض على التلاميذ المجتازين للامتحانات ولوج الأقسام قبل الامتحانات بحوالي ساعة ،لإخضاعهم للتفتيش الدقيق ،وبالموازاة مع ذلك يتم طبع الامتحانات في المؤسسات المحتضنة لها ،وإن كان الأمر مكلفا .
في بولونيا ،يُعتبر الغش في الامتحانات “جريمة” يعاقب عليها القانون،و هناك عدة إجراءات يتم اتخاذها لمكافحة الغش، كما أن هناك عدة إجراءات مصاحبة تقوم على توعية التلاميذ والمدرسين وآباء وأمهات وأولياء أمور التلاميذ بأهمية مكافحة الغش وتوعيتهم بأضراره،كما يتم استخدام كاميرات المراقبة الدقيقة لضمان الالتزام بقواعد الامتحانات .
علينا أن نركز تفكيرنا وتوجهنا وغاياتنا نحو كيفية جعل نظامنا التعليمي آلية ووسيلة لاكتساب الكفايات العلمية اللازمة من أجل بناء إنسان يفكر ويتدبر ،والاعتماد على القراءة والتحصيل بعيدا عن هواجس الامتحانات والضغوطات النفسية المدمرة لشخصية الناشئة والمهدمة لقيم المجتمع برمته .
وديننا الحنيف يعتبر الغش بكل أشكاله ومجال استعماله حراما،ومن تم القول بالجملة السلبية الشهيرة ،التي غالبا ما كنا نجدها مكتوبة على سبورة الأقسام “من نقل انتقل، ومن اعتمد على نفسه بقي في قسمه” مجرد أباطيل وافتراءات وسعي لتشتيت انتباه التلاميذ ،وهي دعوة صريحة للغش حتى لو كان الغرض منها هو التسلية و المزاح .
وعلى العكس من ذلك تماما ،يجب أن يعرف “الممتحنون” أنه إذا اعتمد الشخص على نفسه وعمل بجد فسيتمكن من تحقيق آماله وسيتحصن بالمعرفة التي ستقوده ،بدون أدنى شك ،الى النجاحات وتحقيق الأهداف الشخصية بثقة تامة .

طنجةبريسhttps://tangerpress.com/news-55859.html




شاهد أيضا
تعليقات الزوار