دول أوروبا تتخذ اجراءات قانونية صارمة جدا تجاه “الكرافانات” السياحية ،فماذا عنا نحن ؟

بقلم عبد العزيز حيون
قررت العديد من الدول الأوروبية ،ذات التوجه السياحي المرجعي،اتخاذ اجراءات صارمة تجاه أصحاب سيارات الترفيه السياحي “الكرافانات”caravanes وتغريمهم غرامات تصل الى مئات اليورو مع إمكانية تعرضهم للحبس .
فقد فرضت دول أوروبية عديدة ،مثل اليونان وسويسرا وهولندا والمملكة المتحدة وإسبانيا وغيرها كثير ، قواعد جديدة تحد من التخييم البري ومواقف السيارات الترفيهية، مما يؤثر على آلاف المسافرين الأوروبيين ،الذين يتخذون من هذه المركبات “بيتا متنقلا ” يجوبون به العالم ،ليس بالضرورة لأغراض سياحية بقدر ما هي وسيلة للعيش في آفاق أرخص وتقليل تكاليف الحياة الى الحد الأدنى والاستفادة من مواقع جذابة دون أداء .
هذه المركبات السياحية أثارت وتثير حولها نقاشا عموميا بسبب تصرفات أصحابها التي تسيئ الى الفضاء العام السياحي والى البيئة والى جمالية جهات بعينها ،وتتسبب في الاكتظاظ في مناطق تستقطب الكثير من الناس وتضيق الخناق على السائح المحلي ،دون الحديث عن تصرفات بعض أصحابها الأخلاقية وسلوكهم الشاذ ،وقد طالعنا الكثير من المقالات الصادرة في جرائدنا الوطنية عن هذه القضايا بالذات.
منذ عقود من الزمن،كان السفر بالسيارة الترفيهية مرادفا للحرية وحب الطبيعة وطريقة ميسورة التكلفة لاستكشاف العالم. لكن هذا النموذج من السياحة سيواجه ،من الآن فصاعدا ، قيودا متزايدة في أوروبا ومناطق أخرى من العالم.
وبدأت دول ،مثل اليونان وسويسرا وهولندا والمملكة المتحدة وجمهورية التشيك وإيطاليا ولوكسمبورغ، في سن قوانين صارمة بشكل متزايد تهدف إلى الحد من، أو حتى حظر، التخييم البري ومواقف السيارات المرتجلة.وتتمثل الأسباب في التأثير البيئي،والاكتظاظ السياحي،والشكاوى المتزايدة من السكان المحليين،سواء في الحواضر أو في البوادي.
والحالة الأكثر إثارة للدهشة هي اليونان، التي تعد من أكثر الدول في العالم استقطابا للسياح ويستند اقتصادها بدرجة أولى الى عائدات السياحة،حيث يحظر التشريع الجديد “صراحة وبوضوح تام وبصرامة ” ركن المركبات الترفيهية في الأماكن العامة، مثل الشواطئ والغابات والمتنزهات الطبيعية وحتى مواقف السيارات العادية في المناطق الحضرية. كما يقتصر التوقف في ملكية خاصة على “عربة سكن متنقلة” واحدة،حتى لو أعطى المالك موافقته.
إن العقوبات المترتبة على انتهاك هذه التشريعات الجديدة كبيرة: غرامات تصل إلى 300 يورو وأحكام بالحبس تصل إلى ثلاثة أشهر. وتبرر السلطات هذا الإجراء بقولها إنها بحاجة إلى حماية البيئة الطبيعية، ومنع “التحميل الزائد” على البنية التحتية، والحد من النفايات المهجورة.
ومقابل ذلك،يشكو بعض سكان البوادي ومناطق نائية في أوروبا وشركات السياحة المختصة من أن هذا القانون قد يقوض جزءا مهما من الاقتصاد المحلي.
القوانين والعقوبات المالية
في كل من هولندا ولوكسمبورغ،ما يعرف ب”التخييم البري” محظور تماما. ولا يُسمح بالإقامة لليلة واحدة إلا في مناطق مخصصة للسيارات الترفيهية أو المخيمات المسجلة ، وأية محاولة للإقامة خارج هذه الأماكن يعاقب عليها التشريع بشدة.
في لوكسمبورغ، حتى المناطق القروية تخضع لدوريات منتظمة من قبل السلطات المحلية، التي تضمن التزام المسافرين بالقواعد المسطرة ،و أصبح النموذج الهولندي، الذي يركز على النظام والتخطيط، معيارا يحتذى به في البلدان الأخرى.
وتتبنى سويسرا أحد أكثر المواقف صرامة في أوروبا فيما يتعلق بهذا النوع من السياحة ،ويُحظر ركن السيارة طوال الليل إلا في الأماكن المصرح بها والمخصصة لذلك من طرف السلطات المحلية بوضوح. وأتاح القانون لكل جهة أن تطبق قواعد أكثر صرامة وتقييدا إن أرادت ذلك ،وخاصة في حالة العود وتكرار المخالفة عن قصد أو عن غير قصد ،لا يهم .
لا يوجد قانون في جمهورية التشيك يحظر صراحة التخييم البري . لكن عمليا، لا يجوز قضاء الليل خارج المناطق الرسمية المحددة لهذا النوع من المركبات . وغالبا ما تتدخل السلطات المعنية في أي محاولات تخييم غير مصرح بها، لذلك يتجنب العديد من المسافرين جمهورية التشيك أو يزورون فقط مواقع التخييم المرخصة .
ولم تسن المملكة المتحدة حظرا قانونيا ، لكن العديد من المجالس المحلية تطبق تشريعات تقييدية بشكل متزايد. على سبيل المثال، في مقاطعة لانكشاير Lancashire ، تم حظر ركن المركبات الترفيهية في مناطق مثل سانت آنز St Annes بين الساعة السادسة مساء والثامنة صباحا، مع فرض غرامات تصل إلى 70 جنيها إسترلينيا.وفي شمال يوركشاير Yorkshire،تخضع بلديات مثل سكاربورو وويتبي لبرنامج تجريبي مدته 18 شهرا لحظر ركن السيارات أثناء الليل.وإذا تحققت نتائج إيجابية،سيتم تطبيق الإجراء بشكل دائم.
وتقول السلطات المعنية إن السبب وراء ذلك هو أمران: تقليل كمية القمامة المتراكمة في الفضاءات الطبيعية، وتجنب إزعاج الساكنة المحلية .
لا يوجد قانون وطني مقيد في إيطاليا، ولكن البلديات الأكثر استقطابا للسياح ،مثل تلك الموجودة في تشينكوي تيري، وتوسكانا، وساحل أمالفي، Cinque Terre, Toscana ou la Costa Amalfitana ،بدأت في نشر لافتات تحظر صراحة الإقامة الليلية في السيارات المعنية أو ما يعرف ب”المنازل المتنقلة” ،التي بدأت تزعج الجميع .
الهدف هو الحد من أعداد الزوار المفرطة وحماية مواقع التراث العالمي ، وتتراوح الغرامات بين 85 و335 يورو.
وعلى الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، فإن الأمر مختلف،فبدلا من حظر استخدام المركبات الترفيهية، تعمل العديد من الولايات الأمريكية على تشريع قوانين لتقييد بيع نماذج محركات الاحتراق الداخلي. وتسعى كاليفورنيا ونيويورك وأوريغون وفيرمونت إلى إقرار قوانين من شأنها حظر استعمال المركبات الترفيهية غير الكهربائية الجديدة بدءا من عام 2025 أو من عام 2027.
فما هو مستقبل هذا النوع من الترفيه السياحي بين التنظيم والقوانين الزجرية وتكييف الواقع؟؟؟
إن روح الحرية التي تأتي مع العيش في سيارة صغيرة أو “منزل متنقل” تخضع لتحول عميق.وتتطلب القواعد الجديدة من المسافرين أن يلتزموا بالمناطق المخصصة لهم،وأن يبقوا على اطلاع دائم على القوانين المحلية لتجنب العقوبات.
ولكن هذا لا يعني نهاية هذه الطريقة في السفر.بل إنه يفتح الباب أمام عصر جديد: عصر أكثر استدامة واحتراما وتكيفا مع التحديات الحالية.
وعلى المغرب أن يأخذ العبرة من القرارات التي اتخذتها الدول الأوروبية والأمريكية المعروفة عالميا بتوجهها السياحي المتميز لتقنين زيارات مثل هذه المركبات السياحية وأصحابها ،ماليا وتشريعيا وأخلاقيا وبيئيا،والحد من تحركاتها العشوائية التي لا تخدم في أحيان كثيرة السياحة الوطنية بل تتسبب في سلوكات سلبية لا تنفعنا في شيئ .