عيد الوحدة..تتويج ملكي استثنائي لمسار السيادة المغربية وإعلان عن نهاية مرحلة النزاع المفتعل

يشكل القرار الملكي القاضي بإقرار يوم 31 أكتوبر عيدا وطنيا جديدا تحت اسم “عيد الوحدة” محطة تاريخية فارقة في مسار الدولة المغربية المعاصرة، ليس فقط لرمزيته الوطنية، بل لأنه يحمل في عمقه إعلانا غير مباشر لنهاية ملف الصحراء المغربية وطيّ صفحته كقضية نزاع، بعد أن تحوّل رسميا إلى قضية سيادة منتهية ومكرّسة دوليا.
البلاغ الصادر عن الديوان الملكي أشار بوضوح إلى “التحول التاريخي الذي عرفه مسار قضيتنا الوطنية” وإلى “التطورات الحاسمة التي حملها القرار رقم 2797/2025 لمجلس الأمن”، وهي صيغة دقيقة تُبرز أن المغرب يعتبر هذا القرار الأممي منعطفا نهائيا في مسار النزاع المفتعل حول الصحراء. فالقرار جاء بلغة جديدة، أكدت على واقعية المقترح المغربي للحكم الذاتي، وأسقطت نهائيا أي حديث عن “الاستفتاء”، ما جعل القضية تنتقل من ملف نزاع إلى قضية سيادة واستقرار إقليمي.
اختيار يوم 31 أكتوبر — وهو تاريخ اعتماد القرار الأممي — لتخليده كعيد وطني، يحمل دلالات عميقة على أن هذا التاريخ بات رمزا لتتويج كفاح وطني طويل بدأ منذ المسيرة الخضراء سنة 1975، وتوّج في 2025 بالاعتراف الأممي الواقعي بمغربية الصحراء.
لأول مرة منذ عقود، يُعلن الديوان الملكي أن الملك لن يوجه خطابا في ذكرى المسيرة الخضراء، مع الإبقاء فقط على الاحتفالات الرمزية بالذكرى الخمسين. وهذه الإشارة لا يمكن قراءتها إلا كـ إعلان ضمني بأن الملف قد حُسم بالكامل، وأن الخطاب الملكي — الذي كان مناسبة سنوية لتقييم مستجدات القضية — لم يعد ضروريا بعد الحسم.
التحول من “عيد المسيرة الخضراء” كرمز للتحرير إلى “عيد الوحدة” كرمز للتثبيت، يعكس نقلة مفاهيمية عميقة… من مسيرة لاسترجاع الأرض إلى عيد لترسيخ وحدة الوطن، ومن معركة دبلوماسية إلى مرحلة بناء شامل تحت راية السيادة الكاملة.
تخصيص هذه المناسبة لإصدار العفو الملكي السامي يحمل بدوره رمزية إنسانية وسياسية مزدوجة. فالعفو، الذي يترجم القيم الروحية والإنسانية لجلالة الملك، يأتي هنا في عيد الوحدة ليؤكد أن المغفرة والالتحام هما جوهر الوطنية المغربية. إنه إعلان بأن الوحدة لا تكتمل إلا بالتسامح، وأن العرش لا يحتفل بالنصر السياسي فقط، بل أيضا بانتصار قيم الرحمة والصفاء بين أبناء الوطن الواحد.
كما أعلن البلاغ الملكي عن إعادة هيكلة مناسبات الخطاب الملكي، ليقتصر النطق المولوي السامي على مناسبتين رسميتين: عيد العرش وافتتاح الدورة التشريعية. هذا التغيير ليس إجراءً بروتوكوليا فحسب، بل يعكس تحولا مؤسساتيا نحو تركيز الرسائل الملكية الكبرى في إطارين دستوريين جامعَين، وتحرير باقي المناسبات من الطابع السياسي التقليدي.
كما احتفظ جلالته بحقه الكامل في مخاطبة الشعب متى شاء، تأكيدًا على أن الملك هو صلة الوصل الدائمة بين الدولة والمجتمع، وأن الخطاب الملكي لم يعد استجابة لحدث ظرفي، بل توجيه استراتيجي يرتبط بمسار الأمة.
بهذا القرار، يؤكد جلالة الملك محمد السادس أن المغرب دخل مرحلة ما بعد النزاع، حيث أصبحت قضية الصحراء جزءًا من التاريخ الوطني المكتمل وليست ملفا سياسيا مفتوحا. لقد انتقل المغرب من الدفاع إلى البناء، ومن التعبئة الدبلوماسية إلى التحصين الاستراتيجي للمنجز الوطني.
إنه عهد جديد تتصدر فيه الوحدة الترابية أجندة التنمية، وتصبح السيادة الوطنية قاعدة للنهضة الشاملة التي يقودها الملك، داخليا بإصلاح المؤسسات والجهات الجنوبية، وخارجيا بتعزيز مكانة المغرب كشريك استراتيجي إقليمي ودولي.
“عيد الوحدة” ليس مجرد تاريخ جديد في الرزنامة الوطنية، بل هو تاريخ ميلاد مغرب السيادة المكتملة. إنه ثمرة مسيرة ملك وشعب، توّجت بالتحام العرش بالأمة، وبحكمة جلالة الملك محمد السادس الذي حوّل المعارك الدبلوماسية إلى انتصارات استراتيجية، وجعل من الوحدة عنوانا لكرامة وطنٍ لا يساوم على ترابه ولا على مستقبله.



