مِحور الرباط – باريس : تعاون إستراتيجي شامل وشراكة إستثنائية وطيدة.
البراق شادي عبد السلام/ محلل سياسي كاتب رأي لطنجة بريس.
الإعلان المتعلق بالشراكة الاستثنائية الوطيدة بين المغرب وفرنسا الذي وقعه صاحب الجلالة الملك محمد السادس،وضيف المغرب الكبير فخامة الرئيس إيمانويل ماكرون هو تعبير عن الوعي المتقدم لمختلف الأطراف السياسية والإقتصادية والإجتماعية الفاعلة في الرباط،وباريس بحتمية ترابط المصالح بين المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية على أساس الإعتراف بالسيادة المغربية لكامل ترابها الوطني من طنجة إلى الكويرة حيث أن الدينامية التنموية وفق معادلة الإستقرار و الدولة الحامية القوية في ظل التطورات الجيوسياسية المتسارعة و تنامي المخاطر و الأزمات التي تشهدها المنطقة فإنه من الطبيعي أن يعيد العقل السياسي الفرنسي قراءة و تقييم وضعه الديبلوماسي لمملكة ظلت الصداقة معها إرثا تاريخيا لفرنسا التاريخية حيث أن الوضع السياسي والإقتصادي والإجتماعي والتنموي والأمني الذي تعرفه بلادنا يجعلها واحة الإستقرار والسلام والأمن في منطقة تعج بالأزمات و الصراعات ، حيث يظل هذا الإعلان وثيقة تاريخية تشهد تطور العلاقات المغربية – الفرنسية نحو أفق جديد عنوانه الندية و الإحترام و الثقة المتبادلة لتأسيس و شهادة ميلاد ” محور الرباط – باريس الجديد ” برؤية متوسطيةو روح أورو – إفريقية و رغبة أكيدة في مواجهة التحديات الإقليمية بكل المسؤولية والوضوح بين شعبين عريقين مما يجعل هذا المحور ” ممرا حضاريا ” متميزا بين القارة الإفريقية بفرصها الواعدة والقارة الأوروبية بإمكانياتها الهائلة لتقوم المملكة المغربية الشريفة بدروها التاريخي كملتقى إنساني لشعوب القارتين وتتحول أراضيها المقدسة إلى جسر لوجستيكي عملاق بين شعوب القارتين .الإعلان المتعلق بالشراكة الاستثنائية الوطيدة بين المغرب و فرنسا يجسد الوضع المتقدم و التعاون الوثيق الذي يميز العلاقات المغربية الفرنسية القائمة على وشائج راسخة،وروابط متينة و أواصر ثابتة ضاربة جذورها في التاريخ،ويشكل نموذجًا للشراكة الاستراتيجية في العلاقات بين الدول،و يضع رؤية شاملة لتدبير العلاقات الثنائية بين البلدين و التي قامت على ركائز قوية داعمة لتطورها من خلال الحفاظ على مسافات آمنة من الإحترام المتبادل تحت مظلة أواصر الصداقة التي تربط قادة البلدين عبر تاريخ مشترك عريق من التعاون والتضامن والعمل البيني الجاد و المسؤول في عدة ملفات إقليمية ودولية و المتعددة الأطراف ،وهو الأمر الذي إنعكس بشكل إيجابي على العلاقات الثنائية بين البلدين حيث ان هذا الاعلان يضع معايير جديدة ترتكز على الندية و المساواة في السيادة وإحترام الشؤون الداخلية والتوجهات السياسة الخارجية لكل طرف والإلتزام بالتعهدات المتفق عليها،وبناء علاقات قائمة على الثقة المتبادلة و الشفافية في جميع المعاملات مما يساعد على تجنب الأزمات الناتجة عن سوء الفهم و التشاور المسبق بشكل يعزز الفهم المتبادل و تنسيق الجهود و التضامن بين كل طرف مما يعزز العلاقة بين دولة ودولة، والمساواة في السيادة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وفي اختيارات السياسة الخارجية، واحترام الالتزامات المبرمة، والثقة، والشفافية، والتشاور المسبق، وتضامن ومسؤولية كل طرف تجاه الطرف الآخر مما يعكس التعاون البناء،ويعزز روح الشراكة المستدامة والفاعلة في مختلف المجالات السياسية الاقتصادية والتجارية والثقافية والتنموية و البيئية و الامنية و الدفاعية التي تهم البلدين .الإعلان المتعلق بالشراكة الاستثنائية الوطيدة بين المغرب وفرنسا يؤكد على رغبة قيادة البلدين وإلتزامهما بتطوير العلاقات الثنائية ضمن إطار شامل يتضمن رؤية استراتيجية طويلة الأمد، تهدف إلى الاستقرار والاستدامة من خلال تحسين نطاق التعاون في مختلف المجالات من خلال التفكير في مستقبل الأجيال المقبلة وضمان أن تكون هذه العلاقات قادرة على تلبية احتياجاتهم وتطلعاتهم و هذا لن يتأتى إلا ضمن إطار استراتيجي شامل ومستقر ودائم ينطلق من ضمانات سيادية بشكل يعزز قوة هذه العلاقات وفعاليتها وقدرتها على الصمود في وجه الأزمات والمخاطر والتقلبات الجيوسياسية المرتبطة بها عن طريق تنزيل خطوات إستراتيجية و عملية وفعالة لتحقيق الأهداف المشتركة،مع التركيز على الابتكار والتطور في الأساليب المستخدمة بإشراك جميع المجالات والقطاعات، مثل الاقتصاد، التعليم، الثقافة، والأمن، لضمان تحقيق الأهداف المشتركة ومعالجة القضايا والتحديات التي قد تعيق تقدم البلدين، سواء كانت اقتصادية، أمنية، أو إجتماعية .الإعلان المتعلق بالشراكة الاستثنائية الوطيدة بين المغرب وفرنسا يكشف عن ثلاث أهداف كبرى يسعى كلا البلدين في جو من الثقة و المسؤولية و الشفافية على تحقيقها من خلال تعزيز التقارب السياسي والإستراتيجي عن طريق دعم التنسيق السياسي وتبادل رؤى إستراتيجية مشتركة التي تمكن المغرب و فرنسا من مواجهة التحديات الكبرى الراهنة و تعميق وتحديث الشراكة الاقتصادية عبر تدعيم أواصر التعاون الاقتصادي بين البلدين بهدف دعم التنمية الاقتصادية، وتعزيز التماسك الاجتماعي،وضمان إستقلاليتهما الاستراتيجية في مواجهة التحديات العالمية و تطوير الروابط الإنسانية والثقافية عن طريق الإرتقاء بالتعاون البيني في مجالات الثقافة والرأسمال البشري، مع التركيز على قيم الفرانكفونية والانفتاح و رفع مستوى التفاهم والاحترام المتبادل بين شعوب البلدين.يؤسس الإعلان المتعلق بالشراكة الاستثنائية الوطيدة بين المغرب وفرنسا لشراكة إستراتيجية ذات أبعاد متعددة تعزز من قدرة المغرب على التأثير في فضائه الإقليمي، و تدعم جهود المملكة المغربية من أجل خدمة قضايا الشعوب الإفريقية و تطلعاتها المشروعة من أجل التنمية المستدامة و الأمن و السلام ، حيث أن المملكة المغربية في ظل هذا الزخم الديبلوماسي الذي تعرفه العلاقات المشتركة بين باريس و الرباط تتميك بدروها الريادي في الترافع الجدي و المسؤول عن القضايا الأفريقية في كل المحافل و المنتديات و على هذا الأساس فقد أكد المملكة المغربية و فرنسا من خلال هذا الإعلان على الأنخراط الواسع في المبادرات المغربية الرامية إلى تحقيق الاهداف التنموية المسطرة في المشاريع و المبادرات الهيكلية المغربية في المجال الإفريقي المفتوح وبشكل خاص في منطقة غرب أفريقيا والساحل التي يوليها المغرب اهتمامًا خاصًا ولديه مشاريع كبرى رائدة ستغير وجه المنطقة كمشروع أنبوب الغاز الأطلسي – الأفريقي، والمبادرة الملكية لتعزيز ولوج بلدان الساحل إلى المحيط الأطلسي، من خلال التعاون جنوب – جنوب الذي يقوم على أساس شراكة رابح – رابح، ومبادرة مسلسل الرباط للدول الأفريقية الأطلسية الطموحة والرائدة ، كما يوفر هذا الإعلان إطاراً مرناً يجعل من إستدامة هذه الشراكة بإلتزاماتها السياسية و فلسفتها التشاركية بعيدة عن التقلبات السياسية في باريس،مما يعزز من استقرار العلاقات الثنائية ويضمن تحقيق أهداف مشتركة في التنمية والاستدامة.حيث سيعمل الجانبان على تأسيس آلية لمتابعة “الشراكة الاستثنائية الوطيدة”بين المغرب وفرنسا ستشكل الإطار القانوني و الديبلوماسي المتين و القوي تحت الإشراف الشخصي المباشر من قبل قيادة البلدين ،مما يعكس التزامًا قويًا و رغبة أكيدة من كلا الطرفين لضمان تنفيذ الالتزامات المشتركة بفعالية و نجاعة. من خلال حكامة قوية تشمل تحديد الأولويات بشكل استراتيجي وتعزيز التنسيق بين الهيئات المعنية لإقامة تعاون شامل يحقق الأهداف المرجوة من خلال تفعيل آليات التقييم والمتابعة وعقد إجتماعات دورية، تتيح إستجابة سريعة للتحديات والتطورات المرتبطة بها ، مما يعزز من مرونة الشراكة و قوتها و متانتها. كما تم تعيين لجنة متابعة إستراتيجية تتكون أعضاؤها من ممثلين عن كلا البلدين،مما يضمن وجود آلية فعالة لتقديم الإقتراحات وتعميق التعاون ، حيث يوفر هذا التوجه دورًا مكملًا للهيئات القائمة، ويعزز من التنسيق الأفضل بين مختلف المبادرات،مما يسهم في استدامة الشراكة وفاعليتها في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية.الإعلان المشترك يجدد التأكيد على الدور الفعال والمحوري للشراكة بين المغرب وفرنسا في معالجة القضايا الإقليمية برؤية إستراتيجية واضحة و فلسفة سياسية مسؤولة ، بشكل يدعم جهود المملكة على ترسيخ سيادتها المشروعة على الأقاليم الجنوبية ، ويعكس التزام فرنسا بمسؤولياتها كشريك استراتيجي يواكب جهود المملكة المغربية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الأقاليم الجنوبية،مما يساهم في تعزيز الاستقرار والتنمية تحت السيادة المغربية باعتبار مقترح الحكم الذاتي يظل الحل الأساس والإطار الوحيد القابل للتفاوض لحل النزاع الإقليمي المفتعل بشكل سياسي عادل ومستدام تحت السيادة المغربية وفقًا لقرارات مجلس الأمن.وبناء على ماسبق لا يمكن تناول الإعتراف الفرنسي من جانبه السياسي فقط بل هو موقف دولة إستراتيجي دائم و مستدام و شامل لأن المملكة المغربية تقدم نفسها للعالم كقوة إقليمية لديها مصالح قومية عليا لا يمكن المس بها، وهذا السلوك الجديد للمملكة دبلوماسيّا هو دليل على فهم دقيق للمتغيرات الدولية على خلفية توالي الاعترافات الأوروبية بعد الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية وتداعيات الحرب في أوكرانيا وانعكاسات الموقف الجيوسياسي في الشرق الأوسط على الأمن والسلم العالميّيْن وعلى هذا الأساس فأن الموقف الفرنسي يغذي الطموحات المشتركة للبلدين في الإستثمار المشترك في العلاقات الثنائية برؤية إستشرافية ومستقبلية ؛الموقف الفرنسي هو نتيجة حتمية لعمل ديبلوماسي دؤوب متعدد الأبعاد قاده جلالة الملك محمد السادس برؤية ملكية متبصرة تهدف إلى بناء عقيدة ديبلوماسية قوية وصادقة ومسؤولة قائمة على الإحترام المتبادل وإحترام خصوصيات الآخر وتحدياته والدفاع عن المصالح العليا للوطن والحفاظ على الأمن القومي وفق مقاربة تنهل من التراث والتاريخ والسياسي والديبلوماسي العريق للمملكة. الإعلان المتعلق بالشراكة الاستثنائية الوطيدة بين المغرب وفرنسا لا يُعتبر مجرد وثيقة،بل هو أساس جدي لبناء براديغم جديد (نموذج جديد) في تدبير العلاقات الثنائية بين الرباط،وباريس،يتسم بالتعاون،الفعالية،والتحول من الأفكار إلى الأفعال ومن التوجهات المشتركة إلى أفعال عملية تعكس التعاون والتفاهم بين المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية وفق قواعد إشتباك ديبلوماسية جديدة ترتكز على قيم واضحة من الإستقلالية والسيادة والندية و التوازن و التوافق لخدمة مبادئ نبيلة تخدم مصالح الشعبين الصديقين وتضمن حقوق الأجيال المقبلة في العيش الكريم .