التصدي المغربي لتهديدات تغلغل النفوذ الإيراني في شمال افريقيا عبر الجزائر

منذ الثورة الإسلامية عام 1979، أبدت إيران طموحًا واضحًا لتعزيز نفوذها على الصعيدين الإقليمي والدولي، متبعة سياسة توسعية تهدف إلى نشر الفكر الشيعي والسيطرة على المناطق الاستراتيجية في العالم الإسلامي.اعتمدت هذه السياسة على الأدوات العسكرية والاقتصادية والدينية، سعياً لتحقيق أهدافها.لم يقتصر هذا النفوذ على منطقة الشرق الأوسط، بل امتد ليشمل القارة الإفريقية، لا سيما شمال إفريقيا ومنطقة الساحل.هنا تتجلى طموحات إيران في بناء شبكات من التحالفات المشبوهة، والتدخلات غير المباشرة، مما يشكل تهديداً للأمن والاستقرار في المنطقة.ويعد المغرب، الذي يتمتع بدور استراتيجي كحصن ضد هذه السياسات،في طليعة الدول التي تقف في وجه التغلغل الإيراني.
الجذور التاريخية للتدخلات الإيرانية في إفريقيا
التحركات الإيرانية في إفريقيا ليست جديدة، بل تعود إلى عهد الشاه. خلال الفترة بين 1941 و1979، سعت إيران، بتعاون وثيق مع الولايات المتحدة، إلى إيجاد موطئ قدم في القارة بهدف توسيع نطاق صادراتها النفطية، وتعزيز مصالحها الاقتصادية. في تلك الحقبة، كانت أهداف إيران تركز بشكل أساسي على الجوانب الاقتصادية.
أما اليوم، وفي ظل الضغوط الاقتصادية والعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون، تحاول طهران مرة أخرى تعزيز وجودها في إفريقيا. ومع التغيرات السياسية والانقلابات العسكرية في دول مثل مالي وبوركينا فاسو، وجدت إيران مجالاً مفتوحًا لتعزيز علاقاتها واستغلال الفراغ الذي تركه تراجع النفوذ الفرنسي.
الاقتصاد: بوابة إيران إلى إفريقيا
تلعب الأهداف الاقتصادية دوراً محورياً في التوجه الإيراني نحو إفريقيا. إيران، التي تعاني من حصار اقتصادي خانق، تسعى لاستعادة قدرتها على بيع النفط والتوسع في التجارة مع دول إفريقية تبحث عن شركاء جدد في ظل انسحاب القوى الغربية. إلا أن هذه الأهداف تتجاوز الجوانب الاقتصادية لتشمل بناء نفوذ سياسي واستراتيجي في القارة.
ضمن هذا السياق، تسعى إيران، بالتعاون مع دول مثل روسيا وتركيا، إلى إعادة تشكيل خارطة النفوذ في منطقة الساحل وإفريقيا الغربية. هذا التنسيق بين القوى الثلاث يمثل محاولة لتعزيز وجودهم في وجه الهيمنة الغربية.
التحالف الإيراني-الجزائري وتهديده للمغرب
تشكل الجزائر أحد أهم حلفاء إيران في منطقة شمال إفريقيا. تتلاقى مصالح البلدين في محاولتهما تقويض نفوذ المغرب الإقليمي والدولي. وقد برز هذا التحالف بوضوح بعد اتهام المغرب لإيران بدعم جبهة البوليساريو من خلال ميليشيات حزب الله. أدى هذا الاتهام إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين الرباط وطهران في عام 2018، إلا أن إيران واصلت محاولاتها لزعزعة استقرار المغرب من خلال دعم الحركات الانفصالية في الصحراء المغربية.
تسعى إيران والجزائر إلى استغلال الفراغ الذي تركه الانسحاب الفرنسي من منطقة الساحل لتعزيز نفوذهما في المنطقة عبر تقديم الدعم العسكري والاقتصادي لبعض الدول الإفريقية الهشة، في محاولة لبناء نفوذ جديد يخدم أجندتهما السياسية.
التغلغل الديني: تشييع إفريقيا
إحدى الأدوات الرئيسية التي تعتمد عليها إيران في إفريقيا هي نشر الفكر الشيعي. من خلال بناء الجامعات والمؤسسات التعليمية في دول مثل نيجيريا والسنغال ومالي، تحاول إيران تعزيز وجودها الديني والسياسي.ورغم أن هذه المحاولات تواجه مقاومة شديدة من المجتمعات السنية في القارة،إلا أن إيران تواصل رهانها على هذه الاستراتيجية.في مواجهة هذه التحديات،يمثل المغرب قوة إقليمية ودينية قادرة على التصدي لهذا التغلغل.تعتمد المملكة على دبلوماسية روحية ترتكز على إمارة المؤمنين والإسلام المالكي المعتدل،وهو ما يعزز مكانتها كزعيم ديني في إفريقيا،ويعيق المحاولات الإيرانية لنشر التشيع.بالرغم من محاولة استمالة بعض الجماعات الإخوانية بالمغرب،والرافضة للإسلام المعتدل الذي ينهجه المغرب،حيث بدأت للعيان هذه التيارات الدينية تتأثر لتوجهات الشيعة من خلال التظاهرات في الشوارع تحت غطاء التضامن مع غزة وليس مع فلسطين.
المقاربة المغربية لمواجهة التغلغل الإيراني
أمام هذه التحديات، يعتمد المغرب على استراتيجية متعددة الأبعاد لحماية أمنه القومي واستقرار المنطقة.يستند المغرب إلى علاقات متينة مع الدول الإفريقية من خلال مشروعات اقتصادية وتعاون أمني، مما يعزز دوره كقوة إقليمية قادرة على مواجهة التدخلات الأجنبية.تعتمد الدبلوماسية المغربية على تعزيز علاقاتها مع القوى الدولية الكبرى، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بالتوازي مع تعزيز الشراكات الاقتصادية والتنموية مع الدول الإفريقية. هذا التوجه يسهم في تعزيز قدرة المغرب على مواجهة التهديدات الإيرانية.إلى جانب ذلك، يعتمد المغرب على قوة مؤسساته الأمنية والدينية والاقتصادية لمواجهة التحديات، مستنداً إلى استقراره الداخلي وتحالفاته الاستراتيجية.إيران، التي تسعى إلى بسط نفوذها في إفريقيا، تواجه تحديات كبيرة أمام استراتيجيتها التوسعية، خاصة في ظل وجود المغرب كقوة إقليمية قوية ومؤثرة.وفي الوقت الذي تحاول فيه إيران استغلال الفوضى والصراعات الداخلية في إفريقيا لتعزيز نفوذها، يعمل المغرب على بناء قارة مستقرة ومزدهرة تحافظ على استقلالها السياسي والاقتصادي، وترفض التدخلات الخارجية التي تهدد سيادتها.