حزب العدالة والتنمية:الخطيئة الكبرى.بقلم :البراق شادي عبد السلام

لا أحد ينكر أن المملكة المغربية الشريفة ملكاوشعباوحكومةومؤسسات إستراتيجية تخوض معركة ديبلوماسيةوسياسية مفصلية تؤثر نتائجها بشكل مباشر على تموقع المملكة المغربية في الخريطة الدولية لزمن ما بعد كورونا في ظل تحديات محلية،وإقليمية،ودولية تفرض علينا اليوم قبل الغذ تحصين الجبهة الداخلية،والتعبئة الشاملة،وترصيص الكيان الوطني الجامع والتخندق بشكل تلقائي خلف المؤسسات السيادية للدولة التي تقوم بدون كلل،أوملل بعمل ميداني متواصل من أجل تفكيك خيوط المؤامرة الكبرى التي تستهدف المغرب،وطموحاته المشروعة في إستقلالية قراره الوطني والدفاع على سيادته ووحدته الترابية.حزب العدالةوالتنمية في إطار،التيه الإيديولوجي والسياسي الذي أصابه نتيجة السقوط المدوي في إنتخابات 8 شتنبر يحاول إعادة إنتاج خطاب متهالك تجاوزه الزمن السياسي كان له سياقه الخاص في مرحلة سياسية معينة عاشها المغرب ومحيطه الإقليمي ،بالعمل على ترميم صورته السياسية التي أضرت بها الفضائح الأخلاقية والسياسية التي عاشها الحزب الإسلاموي في زمن التدبير الحكومي لعشر سنوات متتالية،كانت تجربة كئيبة عاشها المغاربة مع حزب يعاني سكيزوفرينيا سياسية وذهان إيديولوجي حاد بخطابين مختلفين،ليكون أول حزب في التاريخ السياسي المعاصر يعارض نفسه ، حكومة تطرح مشروع قانون وأغلبيتها في البرلمان لا تصوت عليه ،حكومة يوقع رئيسها إتفاقا وصبيان الحزب وصبياته يتظاهرون ضده وأشياء سياسية مقرفة أوصلت الحزب إلى تذيل نتائج إنتخابات 8 شتنبر عندما أسقطه الشعب المغربي في عملية طرد جماعي من كل المؤسسات المنتخبة،ولولا القاسم الإنتخابي الذي تَكَرَّمت عليه به أحزاب المعارضة،لكان اليوم حزبا مَنْسِيَّا .إستدعاء السيد عبد الإلاه بنكيران من تقاعده المريح لتولي دفة قيادة الحزب في ظرفية دقيقة يعيشها التنظيم مرتبطة بنتائج إنتخابات 8 شتنبر الغير المفهومة بالنسبة إليه بسبب تضخم الأنا الإيديولوجي نتيجة الإرتهان للمرجعية الإسلاموية التي تعتمد على تفسير وحيد للآخر بإعتبار “الإخوان ” الجماعة الناجية من النار والآخر،يعيش في “ضلال مبين” وهنا الحقيقة الواضحة كانت وضوح الشمس في يوم جميل “كيوم 8 شتنبر المشرق “عندما شارك المغاربة طواعية في أكبر عمليات التصويت بتاريخ المغرب الحديث رغم زمن الوباء،وبرغم كل ما قام به الحزب لسنوات من أجل العبث بالحياة السياسية وتمييع المشهد السياسي بإفتعال معارك جانبية بئيسة،فقد صوت المغاربة على إسقاطه،ورمي تجربته إلى مطارح التاريخ السياسي.رغم مراهنة الحزب على الكتلة الناخبة الصلبة وخزانه الإنتخابي التقليدي فقد طبقت عليه مقولة ( الإسلام أو الطوفان) ورحل الريع الإنتخابي إلى غير رجعة،وتجسدت في الحزب نبوؤة المفكر الإستراتيجي السري جدا المقرئ أبو زيد عندما أكد أن النحل رحل عن مستعمراته بسبب (التطبيع)،فرحلت قناديلكم وأبعدتم عن حلاوة عسل المناصب،والتعويضات السمينة لنفس السبب.الملاحظ أن إستراتيجية الحزب التواصلية والسياسية منذ 8 شتنبر لم تكن موجهة إلى الشعب المغربي بالدرجة الأولى بل كانت موجهة إلى الكتلة الناخبة الصلبة التي عمل الحزب طوال عقود على ترصيصها بإستخدام الأساليب الدعوية وشيطنة الآخر،وتبخيسه وترويج نظرية المؤامرة والتلاعب بالقيم المشتركة وإستخدامها كمطية لتحقيق أهداف سياسية أوإنتخابية.أغلب قرارات الحزب وخرجات بنكيران وقيادات الصف الأول كانت رسائل موجهة إلى “العشيرة الحزبية ” المؤمنة بالمشروع الإسلاموي للحزب الذين فضلوا أخد مسافة آمنة من الحزب بعد توالي تناقضاته السياسية،والخطابية طوال عشر سنوات من تدبير الشأن العام وثلاثين سنة في المجالس المنتخبة.لإعادة ثقة العشيرة فقد إعتمد الحزب على إستراتيجية رباعية الأبعاد من أجل إعادة التموقع في الحياة السياسية.
أولها الأعتماد على القدرات التواصلية للسيد عبد الإلاه بنكيران بإستخدام رمزيته السياسية كرئيس حكومة سابق سيكون لكلامه مصداقية نتيجة إستخراجه للحقل الدلالي الديني،وإقحام المؤسسة الملكية في مروياته ومحكياته،
ثانيها الركمجة على أزمات المواطن والوطن والعمل الدائم على تحوير النقاش العمومي في إطار قطبية ثنائية يستميت الحزب على ترسيخها في المشهد السياسي تتكون من حزب الدراويش والفقراء مقابل حكومة الباطرونا و الشركات عن طريق التنصل من المسؤولية السياسية التاريخية للحزب في تدبير الشأن العام لأكثر من عشر سنوات.
ثالثها هو ضعف الإمكانيات التواصلية لذا الخطاب الموازي و عدم قدرته على مواجهة أراجيف البيجيدي و تواضع التجربة السياسية و الإدارية أو إنعدامها في الكثير من الوجوه التقنوقراطية التي تسير الشأن العام في الأغلبية الحكومية الحالية مما يؤدي إلى ظهور خطايا سياسية حقيقية تتحول إلى ضربات جزاء تتقن و تتفنن القناديل الغير المضيئة تسجيلها في مرمى الحكومة وسط ذهولها أو إنبهارها .
رابعا إستحضار الأصل التجاري المسمى ” القضية الفلسطينية ” التي تمتلك مكانة خاصة في وجدان الشعب المغربي بسبب العطف الكبير والإهتمام البالغ للمؤسسة الملكية،فملك المغرب يتحمل مسؤولية تاريخية إزاء الشعب الفلسطيني كرئيس للجنة القدس كما يحظى شخصه بإحترام شديد لدي مختلف الفرقاء الفلسطنيين،الحزب طوال ركونه في مقاعد المعارضة حاول في غير ما مرة الركوب على ملف إعادة العلاقات المغربية – الإسرائيلية،ومحاولة التنصل من المسؤولية السياسية لهذا القرار،فكما هو معلوم فقد وقعه الأمين العام لحزب العدالة والتنمية بصفته رئيس حكومة المغرب أمام جلالة الملك في خطوة إعتبرها الجميع إنتقالا فكريا وإيديولوجيا للحزب من مفهوم الجماعة السرية التي تعمل على إسقاط الدولة إلى رحابة العمل السياسي المؤسساتي المسؤول لحزب وطني قدم خدمات كبيرة للوطن،ولابد من كلمة حق أنه لا أحد يشكك في وطنية الحزب أو في إلتزامه،و إنتمائه للوطن الجامع لنا كمغاربة تحت القيادة الرشيدة لأمير المؤمنين.بلاغ الامانة العامة للعدالة و التنمية،يمكن إعتباره إنزلاقا خطيرا للحزب في علاقته التفاعلية مع قضايا الوطن المصيرية حيث إنتقل الحزب في لحظة معينة من تنظيم سياسي مدني يشكل جزءا من المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي في المغرب إلى شبه تنظيم يمارس الوصاية على مؤسسة إستراتيجية مجال إشتغالها محفوظ وفق ضوابط دستورية واضحة لا لبس فيها لأمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس.بلاغ العدالةوالتنمية الأخير بشكل روتيني تناول جملة من النقاط التي تهم الرأي العام الوطني و عبر على العديد من المواقف كغلاء الأسعار،والنفط الروسي،والقضية الوطنية،والعلاقة مع الجزائر،والسجال الدائر حاليا حول الإرث وإصلاح مدونة الأسرة،ومحاكمة حامي الدين،ومباراة المحاماة،لكن الخطيئة الكبرى كانت في محاولته البئيسة تقييم عمل وزارة الخارجية كمؤسسة إستراتيجية،تشتغل وفق تصور واضح،ورؤية ملكية متبصرة لعملها الدقيق،والوازن في عالم متغير،ومحيط إقليمي عدائي يشكل له المغرب عقدة تاريخية،ومركب نقص،ويعمل ليل نهار على ترصده،وإستهدافه وزعزعة إستقراره خدمة لأجندات إستعمارية مفضوحة.الديوان الملكي تفاعل بشكل واضح مع نقطة واحدة في البلاغ تمس مجال إشتغاله الحصري هي السياسة الخارجية للمملكة بإعتبارها مجالا محفوظا للملك،وفق ضوابط دستورية لا مجال لتأويلها .حزب العدالة والتنمية فضل إفتعال معركة سياسية جانبية،وقودها القضية الفلسطينية من أجل رتق بكارته النضالية بمحاولة تأليب الرأي العام بإقحام السيد وزير الخارجية في نقاش حزبي وسياسي لا علاقة لوزارة الخارجية به،وإتهامه بشكل مجاني بخدمة أجندات ديبلوماسية أخرى،الحزب في هذه النقطة فضل العمل خارج الضوابط الدستورية في تجاهل تام للآليات القانونية التي تمكن الحزب من مراقبة عمل الحكومة،وآداءها داخل المؤسسات الدستورية،وهذا لا يمكن لنا تصنيفه إلا في خانة سلوك سياسي دارج دأب عليه حزب العدالة والتنمية طوال عقود يعتمد على إبتزاز الدولة ومؤسساتها بتصريحات غارقة في الشعبوية و إفتعال مواجهات مع الدولة لتسجيل مواقف بهلوانية غير مسؤولة،منطق إبتزاز الدولة ومؤسساتها ظل إستراتيجية مستدامة دأب عليها حزب العدالة والتنمية وإحتدت أكثر بتذوق إخوانه وعشيرته لحلاوة المناصب، ومكاسبها وغنائمها،حيث إستخدم كل الوسائل السياسية المتاحة للحفاظ عليها والعض عليها بالنواجد،العديد من المواقف التي أظهر فيها الحزب إصطفافه في الجانب الخطأ من القصة بشكل واع ومقصود،عادة تجار الأزمات في كل مرة يشعرون بأن تجارتهم الفاسدة أصابها البوار أو في حالة ظهور بوادر أزمة إقتصادية أو إجتماعية أو أي حدث كيفما كان نوعه يستخرجون عتادهم اللغوي والخطابي لشن حملات منظمة من أجل تهديد الشعب و إبتزاز الدولة بهدف تحصين الريع السياسي والسحت الإنتخابي،عديدة هي المواقف التي أظهرت نزوع الحزب وقياداته إلى سلوك إبتزاز الدولة فقبيل إنتخابات 8 شتنبر كانت الخرجات الإنتحارية لبنكيران يؤكد فيها أن رياح الخريف العربي لازالت تتجول في شوارع المغرب،وبسيمة الحقاوي كبيرة القنديلات تهدد الدولة بأن لا مفر لها من قبول الحزب كجزء من بنيتها،والسيد أفتاتي بجنسيته الفرنسية يهدد بحدوث ثورة في حالة فوز حزب آخر بالإنتخابات،وأمينة ماء العينين صاحبة الرقم القياسي من المناصب والمهام تنزع رداء الوطنية،وتشكك في إنتماء المخالفين لمرجعية حزبها إلى الوطن،نتذكر جميعا صورة قيادي في الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية إلى جانب محمد زيان في ندوة يكيل فيها الأخير الإتهامات للدولة المغربية،ومؤسساتها،وتروج فيها مغالطات تمس الأمن القومي للوطن والمصالح العليا الشعب المغربي ، نتائج الخريف العربي كانت كارثية بكل المقاييس على الوضع الإجتماعي والإقتصادي والأمني على كل الدول التي أصابتها رياحه العاتية والتي لم تحسن تطويعها والتحكم فيها لإنتاج طاقة تنموية مستدامة،وهو مانجح فيه المخزن الشريف و مؤسساته بكل إقتدار،الإستثناء المغربي في أحداث 20 فبراير تجسد بسبب حكمة وسرعة إستجابة الملك محمد السادس للمطالب الشعبية وفق تقييم رصين ودقيق لطبيعة المرحلة ومتطلباتها،صول بنكيران وعشيرته إلى تدبير الشأن الحكومي هو نتيجة حتمية لدستور 2011 وخطاب 9 مارس 2011 وليس العكس.بلاغ الديوان الملكي الأخير يمكن قراءته في سياق العلاقة الناظمة للمؤسسة الملكية داخل المنظومة المؤسسية للدولة بإعتبارها الضامن الدستوري لحسن سير المؤسسات والفاعل الأساسي في تحديد أجندة السياسات العامة للدولة،وإختياراتها الإستراتيجية،في إطار المسافة الواحدة التي تفصلها عن جميع المكونات السياسية في الوطن،فالملك هـو الضامن للتوازن بيـن دولة قوية،وعادلة،ومجتمع قـوي ودينامي،وهـو بحضوره الفاعل والرمزي يكرس القيادة الضرورية لتحقيق الطموحات التاريخية الكبرى للأمة المغربية، وتتبعهـا وضمان إستمراريتها ، اليوم أمام قيادة حزب العدالة والتنمية فرصة ذهبية لإعادة صياغة مشروعه الفكري والسياسي والقيام بمراحعة حقيقية لربط إيديولوجية الحزب بماهو مغربي بعيدا عن التأثيرات المشرقية،وتدبير العلاقة مع باقي القوى السياسية الفاعلة بمنطق تشاركي بعيدا عن البوليميك الغارق في الشعبوية،وردود الأفعال الغير المفهومة،المشروع الفكري الجديد للحزب قد يساعده على إتخاذ مواقف مغربية لقضايا مغربية بروح مغربية تساهم في إعادة ثقة المواطنين أولا قبل الناخبين .
و الله غالب على أمره .