معارضة “العشران ” ..بقلم : البراق شادي عبد السلام
ديزي دروس مغني الراب المغربي أصدر “طراك” وفيديو كليب غنائي بعنوان ” مع العشران ” به الكثير من الصور الفنية و خلق جدلا سياسيا في ظل نقاش عمومي محدود على الهامش حول الغلاء،وإرتفاع أثمنة العديد من المواد القاعدية في قفة المغاربة،أغنية تربعت على عرش الطوندونس المغربي،وإحتلت مراتب متقدمة في دول أخرى و صنفت في المرتبة السابعة عالميا كأكثر الاغاني إستماعا في 48 ساعة التي عقبت إصدارها،الطراك الأخير خلق جدلا كبيرا أكبر من الجدل المفترض أن تخلقه مخرجات المجلس الوطني لحزب للتجمع الوطني للأحرار وخطاب السيد رئيس الحكومة،وكان وقعه أشد من عشرات الصور التي نشرتها وسائل الإعلام لخرجات بعض الوزراء والمسؤولين في زيارات تفقدية للأسواق في ظل حالة غلاء الأسعار التي رغم كل التفسيرات العلمية أو الغير علمية التي قدمها المسؤولون ظلت مطالب المواطنين تنحصر في شيئ واحد : نقص الأسعار ومراقبة السوق مما يظهر فشل الفاعل السياسي في خلق قنوات تواصل مضمونة سواء مع الكتلة الناخبة أو مع باقي المواطنين،فشل الفريق الحكومي في خلق الحدث بإنجازات وقرارات ينتظرها المغاربة قبيل رمضان للإطمئنان على قدرتهم الشرائية هو ما عبد الطريق أمام ” طراك ” بسيط ليكون الحدث الذي عبر عن مطالب المغاربة أمام موجات الغلاء العاتية.بعيدا عن الخطاب العدمي حقيقة هذه الحكومة كانت لها العديد من المبادرات القوية في سبيل تحقيق برنامجها فرغم قوتها ( التغطية الصحية – الدعم المباشر لمهنيي النقل – قوانين مهيكلة لقطاع الصحة ) مرت مرور الكرام بسبب ضعف السياسة التواصلية وعجز المناضلين الحزبيين من برلمانيين ومستشارين عن التفاعل السياسي مع المواطنين المغاربة بإنتظار الحفلات الإنتخابية والأعراس التنظيمية و اللقاءات المدغمرة !!إحتفاء جزء كبير من النخبة المغربية بهذا “الطراك ” و إعتباره إنجازا نضاليا في وجه الحكومة،ورسالة موجهة إلى رئيسها بشكل مباشر دليل على الخواء الفكري والفراغ السياسي الذي تتخبط فيها صالونات الرباط والدار البيضاء السياسية،وفشلها المنهجي في التواصل الدائم مع قواعدها التنظيمية بغية خلق حركية سياسية قادرة على إمتصاص غضب المواطنين،وإمتعاضهم من سياساتها و برامجها التي أفقرت جيوب المغاربة بسبب عجزها المرحلي عن مواجهة تقلبات السوق الدولية وشجع المضاربين و الشناقة في السوق الداخلية مع تواتر مشاكل سياسية متتالية أصبحت تشكك في مصداقية الفعل السياسي ككل .نلاحظ وجود فراغ كبير على مستوى النقاش العمومي،وهوة تتمدد كل اليوم بين الكتلة الناخبة التي تجاوزت ملايين الأصوات،و راهنت على إسقاط حكومة العدالة والتنمية وتغييرها بأحزاب رفعت شعارات نستاهلو أحسن ونزيدو لقدام،وحان وقت الإنصاف و الأغلبية الحكومية الصامتة التي توهم المغاربة بأنها تعيش في إنسجام تام وتوافق دائم لتنزيل البرامج الحكومية المختلفة لكن هي في حقيقة الأمر تقف عاجزة عن إنتاج خطاب سياسي يجيب على تساؤلات المغاربة ليلعب دوره في التسويق السياسي لقراراتها.ويعبر على تطلعات الشعب المغربي في العيش الكريم ،عديدة هي المواقف التي عاشها المشهد السياسي مؤخرا و أثارت لغطا كبيرا أثر على شعبية الحكومة،وأثار إستياء المغاربة تم تدبيرها قطاعيا بشكل إنفرادي كما بدا لنا ولم نرى أثرا للأغلبية الحكومية المنسجمة،ولم نشاهد حكومة تتحمل مسؤوليتها السياسية و تصدرا بلاغات في سياسات تواصلية ممنهجة لتوضيح الأمر بشكل مسؤول مثلا في قضية التلاعب بتذاكر المونديال ومباراة المحاماة وشبهة تضارب المصالح و غلاء الأسعار وملف الأساتذة المتعاقدين و نقط التلاميذ المعلقة .للأسف هذه الملفات تم تدبيرها قطاعيا بشكل فردي دون إظهاره كعمل جماعي لحكومة المملكة المغربية مما يضعف تأثيره السياسي والإجتماعي في غياب أي سلوك تواصلي يحترم المغاربة كمواطنين يكفل لهم الدستور الحق في الوصول إلى المعلومة مثلا في ملف مباراة المحاماة لم نر التضامن الحكومي المطلوب وترك الوزير عبد اللطيف وهبي وحيدا في مواجهة الإنتقادات كأنه وزير عدل في حكومة أخرى غير الحكومة المغربية،لا أحد من الأغلبية وزراء و برلمانيين ومناضلين حزبيين كانت له الجرأة أو القدرة على التعليق أو التفاعل بالإيجاب والسلب مع حدث هو في نهاية المطاف يهم الحكومة الحالية و أغلبيتها .قد يقول أحدهم أن الندوة الأسبوعية للسيد الناطق الرسمي بإسم الحكومة قد تكون بها الكثير من الأجوبة للعديد من الأسئلة !! لكن للأسف تحولت هذه الندوة إلى حصة مملة من التمطيط و محاولة لعب دور الأستاذية والتعملق الخطابي بشكل بارد و هجين في وقت ننتظر أجوبة لأسئلة حارقة تهم المغاربة،فمنصة الناطق الرسم مرت منها بروفيلات قوية مخضرمة كانت تضمن عملية تواصل كبير بين المغاربة وقرارات حكومتهم ،اليوم أنظر إلى تلك المنصة كجزء من العطب ومن الأسباب المباشرة لهذا الهروب الجماعي إلى أغاني الراب لإيصال أصواتنا .واليوم عندما يقوم فنان يلتزم بنمط موسيقي مغاير لما هو مألوف مجتمعيا هو فن الراب غير أنه يعبر عن الذوق الموسيقي لعشرات الملايين من الشباب المغاربة و يعالج قضايا سياسية وإقتصادية وإجتماعية بإصدار ” طراك ” وفيديو كليب به الكثير من الإبداع والرسائل والأسئلة التي يطرحها المغربي البسيط وتشكل مبحثا فكريا روتينيا لدى فئة الشباب مغاربة يتم طرح السؤال العدمي الجاهز لكل زمان ومكان : أين النخبة ؟ أين السياسيين ؟! أين هو دور الإعلام ؟ أين هي الطبقة المثقفة ؟ لماذا يتم تهريب هذا النقاش من الصالونات السياسية المكيفة إلى ساحات اليوتوب ؟ فأصحاب ربطات العنق الأنيقة هم من عليهم طرح هذه المواضيع وهم المخول لهم بحكم الأعراف أن يتدبروا هذا النقاش ،حتى عندما يتفاعل مثقف أو إعلامي أو صحفي أو متابع أو مواطن مع هذا،” الطراك ” على إعتبار الرسائل السياسية والإقتصادية والإجتماعية التي عالجها بكثير من الجرأة المفقودة عن بعض الأقلام الجافة المرتجفة يتم التهجم عليه وإتهامه بالركمجة على الشعبوية.في ظل إستقالة المثقف الطوعية عن طرح الأسئلة الحقيقية المزعجة،وغرق بعض أشباه المعارضين في صراعات شخصية أو هرمونية وضياع آخرين في طريق اللاعودة داخل رحلة مجنونة لمطاردة أحلام وهمية دونكيشوتية قد تصل إلى الخيانة و إبتذال آخرين لنقاش شعبوي بسيط مطاردين لملايين الأدسنس ومداخيل الإشهارات وطغيان خطاب البوليميك و “شدلي نقطع ليك مع المسؤول ” ومحاولة تفريغ مكبوتات سياسيوية وإنتخابوية ضيقة بإستخدام آلام وآمال المواطنين المغاربة والركون للخطاب العدمي التيئيسي في ظل عجز الأغلبية الحكومية ومنظريها عن إنتاج خطاب سياسي يلامس المغاربة وتساؤلاتهم،فطبيعي أن نستقبل الكليب بالكثير من الفرح وطبيعي أن يؤسس الكليب لنمط جديد من التعبير عنوانه ” معارضة العشران ” لكن قد يكون غير متحكم في نتائجه وتداعياته وإتجاهاته وولائاته،ويسهل إختراقه وتوجيهه خمة لأجندات معينة.وهنا نطرح السؤال أين هي الأصوات والتدوينات والمقالات والملفات الصحفية التي كانت تنتقد بنكيران والعثماني بشكل دائم،عندما كانت تطرح الإشكاليات السياسية والإجتماعية،ويتم بحث الحلول بشكل جماعي في ظل نقاش صحي تضمنه الضوابط الدستورية في كل زمان و مكان ؟ اليوم توقف جزء كبير منا عن الكلام والإستفهام،وعن إثارة الأسئلة،عدد منا يكتوي بغلاء الأسعار،وعدد منا لا يتفق مع آداء بعض الوزراء والعديد منا لا يتفق مع الحكومة وأغلبيتها ؟ عدد منا لديه ملاحظات عن سير بعض المرافق و المجالس المنتخبة !؟ لماذا هذا الصمت المريب ؟! لماذا الصحفي صامت ؟ لماذا الإعلامي ساكت ؟ لماذا الأقلام جافة ؟لماذا المثقف إستقال عن دوره في تنوير الرأي العام ؟ أين هم صناع الرأي والمحللون والمنظرون في كل شيئ وأي شيئ ؟!.وهنا لا أتكلم على فئة إعلام الفراقشية ومصففي الاخبار الإلكترونية ومصوري التدشينات والأقلام الجافة المرتحفة وأصحاب الاصوات المبحوحة والأغبياء والبؤساء ففاقد الشيئ لا يعطيه وجودهم كعدمهم لا فرق !!!.في ظل هذا الفراغ لا يمكن أن تترك الساحة لمروجي الخطاب الشعبوي وتجار الأزمات والحالمون بالتموقع والمتنطعون برؤوسهم وأقلامهم البالية ،يجب أن يتحمل الفاعل السياسي والحزبي مسؤوليته،شبيبات الأحزاب الأغلبية مدعوة للدفاع عن سياسات الحكومة وتفسيرها ” بالخوشيبات ” للشباب لأن هذا هو دورها الأساسي،ولهذا هي وجدت يجب أن تشكل الجسر الآمن بين الشباب والفاعل السياسي،وتكون قناة حوارية مستدامة مع الفاعل الحزبي والمواطنين،فالسياسة لا يمكن إختزالها في صور جماعية تذكارية أو صور سيلفي مع الزعيم و حضور ندوات ولقاءات وبوفيهات لقضاء مصالح شخصية ذاتية ،السياسة هي “تقطاع السباط ” مع ولاد الشعب في كل زمان ومكان،وليس مجرد حفل إنتخابي ينتهي بفتح صناديق الإقتراع و ظهور النتائج و الغرق في ريع المجالس ” مع العشران ” !!
طنجةبريس