كتاب دماء الصحراء والكتابة الإعلامية الاستباقية
حمل كتاب عنوان " دماء الصحراء...حروب القاعدة في الساحل الإفريقي" في أجزاءه الخمسة العديد من القضايا و بعمق أكثر لاسيما ما يتعلق بأزمة منطقة الساحل الإفريقي، التي يرى أنها تتفاقم يوميا دون التفكير في حلول مستعجلة لها، مما جعلها القضية الأولى والأزمة الكبرى في الشمال الإفريقي، وهي الأزمة التي تكاد تعصف بعدد من دول المنطقة، في مقدمتها دولة مالي، التي انهارت كليا بسبب العديد من العوامل منها فعل الجماعات المسلحة في منطقة الشمال.
الكتاب مقاربة منهجية، تحاول الاقتراب من ميدان المعارك، ولكن ليس من الزاوية العسكرية والأمنية، ليذهب الكاتب إلى دراسة السلوك السياسي لأطراف الأزمة المؤثرة، في تداعياتها وهو السلوك الذي يتم تناوله في هذه الدراسة، قائم على خلفيات هذه السلوكيات والمرجعيات التي يقوم عليها وتفرزها مفاهيمه المؤسسة، سواء تلك المنتمية إلى الثقافة الإسلامية أو الثقافة الغربية، ويتم ذلك على أسس منهجية علمية حديثة. كتاب دماء الصحراء، لا يخرج عن إطار المتابعة الإعلامية للعاملين في مجال الإعلام، ولكن ليس من الزاوية المهنية لتتبع الأخبار والأحداث الجديدة، كما لا ينزع إلى التأويل والاستشراف الذي فيه تخيل وتخمين، ولكن تفكيك للخطاب الإعلامي المتداول حول الأزمة، والذي يقول عنه محمد بغداد إنه خطاب مبتسر و مجزء، لا يعطي القضية حقها من الوضوح والفهم، الذي يمكن المتتبع لها من الوقوف على الاقتراب الجيد والقريب من الموضوع.
يذهب الإعلامي محمد بغداد، في كتابه الجديد إلى تتبع أزمة الساحل الإفريقي برمتها، ويؤكد أنها ليست منحصرة في شمال مالي، بل تمتد من الصومال شرقا وتصل إلى نيجيريا غربا، مما يجعلها أوسع بكثير مما يتصور البعض من الذين يعتقدون الجماعات المسلحة منحصر نشاطاتها وسلوكاتها في منطقة محدودة، ويمكن تجنب ذلك بتكاتف جهود الأطراف المعنية بالموضوع، وبالذات دول المنطقة والقوى الدولية، التي لها مصلحة في المنطقة. إلا أن كتاب دماء الصحراء، ينتقد بشدة ويحمل على الكثير من الخطابات المتداولة والسياسة، التي تتناول القضية ويدعو إلى الإسراع في تناول قضايا الأمن القومي، وما يتعلق بالملفات الكبرى للوطن إلى إشراك القوى الحية في المجتمع، والمثقفين والمؤسسات، والابتعاد عن المواقف والقرارات التي تقوم على الإلهام.
ويتطرق الكاتب عبر صفحات كتابه إلى المنظومة المؤسساتية الرسمية، التي ينجرف من مرحلة إظهار الأخطار المنتظرة من الجنوب البلاد، إلى التوجس من الذهنية التي تدير البلاد، وتتعامل مع مشاكلها الكبرى مبشرا في الوقت نفسه، بانهيار يتصادم مع ما أظهره من قبل من كتابات، معتبرا أن مرحلة نهاية الدولة الوطنية والكيان الأمة، قد تجاوزه الزمن وان المرحلة القادمة، تأتي ولا تجد من الإمكانيات وانجازات النخب ما يناسب رهاناتها، فهو يجزم بان البلاد لا تملك اليوم نخبا تاريخية، قادرة على تحمل تكاليف إدارة البلاد، ولا تملك من الذكاء ما يجعلها تنتج الأفكار، وتبدع في ممارسة السياسة حتى تتجاوز الكوارث القادمة، بعيدا عن انتظار انتصارات أو انجازات تاريخية، كون الأمر يتعلق بتلك الذهنية والنفسية التي استقالت منذ زمن وانهارت، لتترك الفرص أمام موجات العبث واكبر مظاهرها و اخطرها هو السلوكات الغريبة، التي تستسهل الأخطار وتتلاعب مع المعطيات الكبرى، والتحولات العميقة التي يشهدها العالم.
ومن تعقيدات تضاريس الصحراء يمارس الإعلامي، موجات عنيفة من الانتقادات يصوبها نحو المنظومة الإعلامية، نفسها التي يدور هو في فلكها ويشن حملته وانتقاداته من انبهارها، أمام التقارير الاستخباراتية الغربية، التي تروج لها بطرقة غريبة جاعلة منها النص المقدس، الذي لا تملك القدرة على فهم أبعاده ولا توجس مضمونه، وهي تقوم بعملية اشهارية سمجة، فلحد الآن يصر بغداد على أن التجربة الإعلامية الجزائرية، لم تصل بعد إلى مستوى المؤسسة بالرغم من الانتشار الواسع لمنتوجاتها الورقية، ولكنها لم تتمكن من انجاز من الهياكل، والمفاهيم ما يجعلها قادرة على إنتاج رسالة إعلامية، لها صفات وخصائص معينة ومحددة، فهي تجد نفسها مجرد ناقل لما يتسرب من أخبار مجزءة وخارجة عن سياقها، دون أن تعمل النظر، في تقديم وجهات نظر ورسائل تكون منسجمة مع الموضوع والكثير، منها يفضل أن يغرق في صناعة حملات إعلامية تتضمن الرعب والتخويف، علها تحقق كما تتصور أرباحا مادية عبر الاستثمار في الوجدان الشعبي، والمزاج الاجتماعي المشوش.
للإشارة للكاتب محمد بغداد العديد من الإصدارات حاول من خلالها طرح إشكالية الإعلام في الجزائر منها ما يتعلق الإعلام الديني، و كتاب أخر تحدث فيه عن التجربة الإعلامية في الجزائر، و أخيرها كان كتاب يحمل عنوان "حركة الإعلام الثقافي في الجزائر"، و الذي حاول من خلاله طرح العديد من الإشكاليات المتعلقة بالمشهد الإعلامي و الثقافي الجزائري لاسيما في الآونة الأخيرة، محاولا في ذات السياق الارتقاء بهذا الإعلام الذي عرف بروز العديد من الأسماء الإعلامية التي كونت وجهة نظر مهمة، جراء التراكم المعرفي والمهني في مختلف وسائل الإعلام الجزائرية، وهي الأسماء التي دعاها الكاتب والإعلامي محمد بغداد إلى الانطلاق في تأسيس فضاءات وتقاليد جديدة للنقاش والحوار، من اجل تجاوز العثرات السابقة والارتقاء إلى مستويات أكثر فعالية وجودة .
و قد حرص الكاتب محمد بغداد إلى التطرق إلى تفاصيل أزمة الممارسة الإعلامية الثقافية، لينتقل بعدها محمد بغداد في كتبه الجديد لفضح سياسة الدول التي تسعى إلى انتهاك حقوق شعوبها، و الأزمات الذي يعيشها الساحل الإفريقي بفعل هذه السياسة.