أضيف في 15 نونبر 2012 الساعة 12 : 17
حقوق الإنسان: كعب أخيل في الجسم الوطني
يونس مجاهد /طنجة بريس
تشير كل الدلائل ان المغرب سيعاني، في مستقبله و مصيره، من معضلة حقوق الإنسان، ليس على مستوى وضعه الداخلي فحسب، بل ايضا على مستوى صورته الخارجية، بما يترتب عن ذلك من أثار خطيرة، سيكون لها تداعيات على قضية وحدته الترابية، خاصة و ان حصان طروادة الذي يحاول الخصوم استعماله،هو هذه القضية بالذات. و بغض النظر عن شرعية استعمال هذه المعضلة، من طرف خصوم لاعلاقة لهم بمبادئ حقوق الإنسان، فإن الدعاية التي يروجونها تعتمد على صورة سلبية، راكمها المغرب، منذ الستينات، كانت اجهزة أوفقير تصول فيها و تجول، وواصل مسلسل القمع، جلادون معروفون، ما زال البعض منهم حيا يرزق، بل ما زال منهم من يتحمل المسؤولية في الأجهزة الأمنية، الى يومنا هذا. و لم يتوقف هذا العبث،رغم كل المجهودات المبذولة، سواء من خلال إنشاء المجلس الإستشاري لحقوق الإنسان، في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، او من خلال مواصلة هذه الصيرورة من طرف الملك محمد السادس، الذي عمل على تطوير هذه التجربة عبر المجلس الوطني لحقوق الإنسان. و يعرف كل متتبع للوضع السياسي في المغرب، ان من بين أولويات ماسمي "بالعهد الجديد"، كان هو معالجة جروح الماضي، و طي صفحة مخلفات سنوات الرصاص، غير ان هذا المجهود لم يتواصل الى نهايته، و مازالت المنظمات الحقوقية تطالب، بدون جدوى، لحد الآن، بتفعيل توصيات هيأة الإنصاف و المصالحة.
تعرضت العلاقات الخارجية للمغرب، في السنوات الأخيرة لضغوطات قوية، بسبب مشكلة حقوق الإنسان ، و لم تتمكن اية حكومة من الدفاع الجدي على ما يسمى " بمكتسبات المغرب"، في هذا المجال، لأنها لا تتحكم في صيرورته، و لأن العقيدة التي تتحكم في المسؤولين عن هذا الملف، لم تتغير منذ الستينات.
و قد أكدت التغييرات، التي رافقت ما سمي "بالربيع العربي"، أن الأجهزة الأمنية و ما اصطلح عليه بمباحث امن الدولة او البوليس السياسي، كانت من الأسباب المباشرة في سقوط عدد من الأنظمة، لأن اساليبها العتيقة التي تحتقر الكل، والمنهج القمعي في تعاملها مع مختلف قوى المجتمع، ساهم الى حد كبير في القضاء على ديكتاتوريات و انظمة شمولية. كان الحكام، الذين انهارت انظمتهم، يعتقدون انهم سيستمرون في كراسيهم، فقط لأنهم يتوفرون على اجهزة بوليسية قوية، و ان هذه الأجهزة قادرة على ان تجسس على كل شيء، ابتداءا من المعارضين، مرورا بالمثقفين و الصحافيين و الفنانين، انتهاءا بكبار رجالات الدولة، و بالأجهزة الأخرى نفسها... و قد جربت أجهزة هذه الأنظمة المنهارة كل الأساليب، فبالإضافة استعمال اساليب تقليدية، من اغتيال و اختطاف و تعذيب و اعتقال... فإنها لجأت ايضا اساليب "حديثة"، مثل تلغيم منظمات المجتمع المدني، و تقسيم الأحزاب الساسية، بل و خلق تنظيمات سياسية مرتبطة بها، و شراء الذمم، سواء بالنسبة للسياسيين او النقابيين او الصحافيين و غيرهم من الفئات التي لها تأثير في المجتمع. كما خلقت صحافة "حرة"، موالية لها، و اوكلت اليها مهمة مهاجمة المعارضين و الخصوم السياسيين والحقوقيين، و تمييع الساحة، عن طريق السب و القذف و نشر الإشاعة والسخرية من المثقفين و الفنانين و الكتاب و مناضلي حقوق الإنسان و النقابيين... لكن كل هذا لم ينفع. فقد انهارت هذه الأنظمة، و انفضحت معها اساليب هذه الأجهزة، و تأكد ان المراهنة على هذه" العقيدة الأمنية"، لا يمكن ان يشكل استراتيجية ناجحة، على المدى الطويل. و من المؤكد ان هناك في المغرب من يراهن على مثل هذه المنهجية، مستعملا المنهج الأوفقيري، الذي اعتمد على تبخيس السياسة و السياسيين و المثقفين و المناضلين و النقابيين و الحقوقيين، اي المنهج الفاشي، الذي يهدف إلى خلق الفراغ، لصالح أجهزة الدولة. وبالإضافة الى ما يشكله المشروع البوليسي من خطر على الوضع الداخلي، فإن خطره مضاعف على الصورة الخارجية للمغرب، لأن بلادنا تواجه تحديا، لا تواجهه الكثير من البلدان، و يتمثل في مواصلة الكفاح لاستكمال الوحدة الترابية. فكل الأخطاء و التجاوزات كانت لصالح الحصوم، الذين يركبون الآن حصان حقوق الإنسان، لقلب موازين القوى في قضية الصحراء، و خلق حالة من الفوضى في المنطقة، و تحويلها الى بؤرة توتر و مواجهات، قد تهدد استقرار الوضع، و تستعمل كذريعة لتبرير التدخل الدولي. إن السلطات المغربية و القوى السياسية، مطالبة بأن تعمل جادة لتجاوز هذا الوضع، أي بإعادة النظر الشاملة في مقاربة الدولة في لهذا الملف، لأنه يشكل كعب أخيل في الجسم الوطني، أي نقطة ضعف حقيقية تهدد استقرار و مصير البلاد.
|