|
رقم الإشهاد القانوني من المحكمة:10.2018
|
|
 |
أخبار الهيآت السياسية والنقابية والجمعوية
|
|
|
 |
| |
|
حديث الأسبوع : دوخة الانفصال
أضيف في 01 أبريل 2018 الساعة 44 : 19
حديث الأسبوع : دوخة الانفصال
بقلم : عبدالله البقالي دخل شد الحبل بين سلطات مدريد و الانفصاليين في كاطالونيا منعطفا جديدا بعد مجمل التطورات التي تراكمت في هذا الملف الملتهب خلال الأسابيع القليلة الماضية . و أشرت المستجدات في صدده بإصرار قوي لكل طرف على المضي قدما إلى الأمام بمواقفه المتشددة بغض النظر عن التكلفة التي يمكن أن تترتب عما سيحدث في المدى المنظور . سلطات مدريد التي بدت متفهمة لمطالب الإنفصال في أقطار أخرى من العالم تحولت إلى نقيض ذلك ما أن أمسكت بيديها بجمرة هذا الانفصال الحارقة و اكتوت بلهيبها ، إذ لم تذخر جهدا في سبيل إقبار هذا المشروع الذي يهدد وحدة و سيادة بلاد شبه الجزيرة الإيبيرية . و هكذا بدت حاسمة و حازمة في مواجهة هذا الخطر الداهم مما دفع بالقضية إلى منعرحات يتأكد حاليا أن مهمة السياقة فيها لن تكون سهلة و لا مريحة و أنها تتطلب سائقين محترفين بمهارات فائقة جدا . أهم هذه المنعرجات بدأت قبل أيام بإلقاء الأمن الألماني القبض على رئيس حكومة كاطالونيا السابق السيد كارليس بيوكدمون في محطة استراحة في إحدى الطرق السيارة قريبا من الحدود مع الدانمارك . و اتضح أن الاعتقال الذي باشرته الأجهزة الأمنية الألمانية جاء نتيجة وجود مذكرة بحث أوروبية تقدم بها القضاء الإسباني ضد المسؤول الانفصالي الإسباني و تضمنت مذكرة البحث تهما ثقيلة ضد ه من قبيل التمرد و تحويل أموال عمومية . و يذكر أن رئيس الحكومة الكاطالانية السابق فر إلى الديار البلجيكية بعدما أصر على تنظيم استفتاء استقلال إقليم كاطالونيا في الفاتح من أكتوبر الماضي ، و استعصى على السلطات الأمنية و القضائية الإسبانية الوصول إليه في الأراضي البلجيكية لسبب واحد يتمثل في أن القانون البلجيكي لا يجرم فعل التمرد و بالتالي لا يرتب عنه أي جزاء ، و ربما لهذا السبب اختار السيد بيوكدمون الاختباء في هذا البلد . لكنه سقط في المحظور حينما غادر بلجيكا في طريقه إلى الدانمارك لتصطاده الأجهزة الأمنية الألمانية لحظات قليلة جدا قبل دخوله التراب الدانماركي . و الحال مختلف في ألمانيا التي تصنف الفقرة 82 من قانونها الجنائي جريمة التمرد ضمن ( الخيانة العظمى تجاه دولة ما ) و ترتب عقوبة قد تصل في مداها إلى عشر سنوات سجنا نافذا . و لعل هذا ما يفسر ردود الفعل المتعددة التي تلت خبر الاعتقال ، فإذا كانت وزيرة العدل في حكومة السيدة ماركل نأت بحكومتها عن التدخل في قضية قالت إنها معروضة على القضاء، فإن المعارضة الألمانية خصوصا من قوى اليسار الراديكالي اعتبرت الاعتقال " سياسيا " بيد أن إحدى الجرائد الألمانية اختارت عنوانا رئيسيا لحادث الاعتقال له أكثر من دلالة حينما كتبت بالبنط العريض " أول معتقل سياسي في ألمانيا " و لم تنجح الضغوط التي مارسها أنصار بيوكدمون في كاطالونيا في إخلاء سبيل زعيمهم ، فلا خروج أكثر من خمسين ألف مناصر في تظاهرة ببرشلونة ، عاصمة إقليم كاطالونيا و احتجاجهم أمام سفارتي ألمانيا و الاتحاد الأوروبي مما قاد إلى مواجهات عنيفة مع قوات الأمن الإسبانية ، و لا التصريح الناري لرفيق بيوكدمون السيد روجي طوران المرشح لقيادة الحكومة الكاتالانية و الذي قال فيه " ليس الحق لأي قاض مشروعية الهجوم على رئيس كل الكاتالانيين " أخرج زعيمهم من السجن . سلطات مدريد التي تنتظر أن تتسلم هذا الصيد الثمين كانت قد ألقت بالعديد من القادة الانفصاليين في السجن ، فقد كانت المحكمة الإسبانية العليا قد قرر في الثال و العشرين من مارس الحاري وضع خمسة من القادة الرئيسيين للانفصال رهن الاعتقال ضمنهم المرشح لرئاسة كاتالونيا السيد روحي تيرال في حين اختار آخرون التواري عن الأنظار عبر الهروب إلى الخارج . هكذا قرر المسؤولون في مدريد الحسم النهائي في هذا النزاع الداخلي الذي وضع بلاد شبه الجزيرة الإيبيرية فوق صفيح ملتهب جدا ، لأن الانفصال يعني إضعاف البلاد ، و أنه لن يقتصر على منطقة كاطالونيا لوحدها ، فنظام الحكم في هذا البلد الذي اعتمد جهوية جد متقدمة زرع في بنيتها بذور الانفصال . و لذلك لم يعد مجالا لاعتبارات حقوق الإنسان و الحق في تقرير المصير ، لأنه حينما تهدد هذه الحقوق مصالح المجتمع برمته لا بد من إلغائها و لو بإعمال وسائل عنف من قبيل تسخير القوة العمومية و الاعتقال و إيداع السجن . و مهم أن نسحل إن جميع الدول الأوروبية تقريبا رجحت قراءة مدريد الرسمية لما يحدث و سارعت في اجتماع رسمي للاتحاد الأوروبي إلى إعلان مساندتها بشكل رسمي وواضح . و هو سلوك غير معتاد من منظومة أوروبية قدمت للرأي العام الدولي مشاهد مخالفة و مواقف نقيضة في التعامل مع نفس الظاهرة في مناطق أخرى من العالم . و بدا واضحا أن الدول الأوروبية بإعلانها مثل هذا المواقف فإنما تئد أجنة إنفصالية مارقة في أحشائها ، و تحيط نفسها بما يكفي من الوسائل الواقية من انتقال العدوى إليها في المدى المنظور . لذلك لا موقع في كل ما يحدث لقيم و مبادى حقوقية ظل هذا الغرب يثقل مسامعنا بها لعقود طويلة من الزمان . لا شك في أن شبه الجزيرة الإيبيرية تعيش في مرحلة شديدة الدقة و الخطورة ، لأن كل التطورات المتسارعة التي تتوالى بشكل مذهل سيكون لها ما يليها سواء في المنظور القريب أو البعيد . و هذا ما يضفي على القصة تشويقا قل نظيره بسبب ترامم تطورات تجعل المواقف من العديد من القيم و المبادئ محل ارتداد و ارتجاف .
|
|
600 |
 |
0 |
 |
|
المقالات المنشورة تعبر عن مواقف أصحابها لا غير والموقع غير مسؤول عنه
التعليقات خاضعة لمقتضى مدونة الصحافة والنشر الجديدة
|
|
|